الصحراء المغربية…كرونولوجيا الرؤية الملكية في صناعة الإجماع الدولي على الحل الواقعي

admin1 نوفمبر 2025آخر تحديث :
الصحراء المغربية…كرونولوجيا الرؤية الملكية في صناعة الإجماع الدولي على الحل الواقعي


زنقة 20. الرباط

على مدى ربع قرن من القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، شهدت قضية الصحراء المغربية تحولات دبلوماسية وسياسية جوهرية، أسست لزخم مستمر نحو الاعتراف الدولي بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وتراجع ملحوظ في الدعم المقدم للكيان الانفصالي. هذه التحولات ليست مجرد تطورات ظرفية، بل تعكس استراتيجية متكاملة، تقوم على الرؤية الملكية السامية، التي تجمع بين الثبات على المبدأ، والمرونة في أساليب الممارسة الدبلوماسية، بما يعزز شرعية المغرب التاريخية ويكرس دوره كشريك موثوق في تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي.

الدينامية الدبلوماسية المرتبطة بمجلس الأمن وانعكاساتها على موقع المغرب

يشكل اجتماع مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025 محطة مفصلية ضمن المسار السنوي لمناقشات النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. فقد أظهرت المعطيات الراهنة أن الجلسة المرتقبة تندرج ضمن دينامية دبلوماسية متسارعة، حيث يواصل المغرب تعزيز موقعه التفاوضي والسياسي مقابل تراجع واضح في هامش المناورة الجزائرية داخل المنتظم الدولي.

تعزيز الموقف المغربي

تؤكد التطورات الأخيرة أن المغرب تمكن من ترسيخ حضوره في مجلس الأمن من خلال تزايد عدد الدول الكبرى التي تعبر عن تأييدها لمقاربة الحكم الذاتي المغربية كحل جدي ومستدام للنزاع. وقد شمل هذا الاصطفاف تدريجيا الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، بلجيكا ودول أخرى. ويعكس هذا التلاقي تحولا ملموسا من موقف المتابعة الحذرة إلى دعم واضح وصريح، ما يعزز موقع المغرب كشريك موثوق وفاعل أساسي في المسار الأممي، ويسهم في تهميش الأطروحات الانفصالية غير الواقعية.

وفي هذا الإطار، فقد سبق لجلالة الملك محمد السادسالتأكيد بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب (2022):على “أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات.”

ويمكن تأويل هذا التأكيد الملكي باعتباره تأكيدا استراتيجيا على أن موقف المغرب من قضية الصحراء لا يقتصر على البعد الوطني الداخلي، بل يمتد إلى البعد الدولي والعلاقات الدبلوماسية. فالجملة “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم” تعبر عن أن المغرب يقيم صدقية ومصداقية شركائه الدوليين على أساس موقفهم من هذه القضية، وبالتالي يصبح موقف الدول من الصحراء معيارا ملموسا لجدية تحالفاتها وموثوقيتها.

بعبارة أخرى، هذه الرسالة عززت الموقف المغربي على المستويين:

الدبلوماسي : المغرب يضع قضية الصحراء كمحك لقياس الدعم الدولي ونجاعة الشراكات، ما يزيد من ثقل مواقفه ويجعل أي موقف آخر ولو محايد غير فعال أمام الرؤية الملكية.

السياسي والاستراتيجي: تؤكد الرسالة على وحدة الموقف المغربي وأن قضية الصحراء ليست مجرد نزاع إقليمي، بل إطار لتقييم التزامات وحسن نية الأطراف الدولية، مما يعزز موقف المغرب كفاعل محوري وحقيقي في إدارة النزاع.

باختصار، الرسالة الملكية ررسخ مبدأ البراغماتية والواقعية في التعامل مع القضية، وحولت دعم المغرب للسيادة على الصحراء إلى أداة قياس للثقة والالتزام الدولي، وهو ما عزز موضعه التفاوضي وضيق هامش المناورة لأي أطراف معارضة.

بروز نمط جديد في التعامل الدولي

تشير هذه الدينامية إلى ترسيخ نمط براغماتي جديد، يقوم على الاعتراف الواقعي بالمسار المغربي، واستبعاد الطروحات الانفصالية التي فقدت رصيدها الدبلوماسي. فقد انتقل التركيز الدولي من منطق المواجهة إلى منطق الشرعية والبناء، بما يعكس تطور وعي المجتمع الدولي، ورغبة الدول في حلول قابلة للتنفيذ، قائمة على الاستقرار والتنمية.

انعكاسات إقليمية

يسجل المغرب حضورا متناميا كشريك موثوق للعديد من الدول والمؤسسات الإقليمية، فيما تتراجع الجزائر تدريجيا، سواء في المشاريع التنموية أو الأمنية. يعكس هذا التحول إعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية لصالح الرباط، مما يعزز موقعها كقوة استقرار إقليمية، قادرة على الجمع بين الدبلوماسية النشطة والريادة التنموية.

– عزلة الدبلوماسية الجزائرية وتكشف محدودية مقاربتها

على الضفة المقابلة، تعاني الدبلوماسية الجزائرية من عزلة متنامية نتيجة تمسكها بخطاب تقليدي متجاوز، قائم على سرديات الحرب الباردة ومفهوم “تقرير المصير” الذي لم يعد يحظى بجدوى عملية في العالم المعاصر.

محدودية المقاربة الجزائرية

التموضع الأيديولوجي الجامد: تبقى الجزائر متمسكة بأطر أيديولوجية غير قادرة على التكيف مع معطيات القرن الحادي والعشرين، الذي يعطي الأولوية للاستقرار والتنمية والشراكات الدولية.

التورط المباشر: بدلا من لعب دور وسيط محايد، انخرطت الجزائر مباشرة في دعم الأطروحة الانفصالية، ما قلل من شرعيتها أمام المجتمع الدولي، وأضعف قدرتها على لعب دور بناء في حل النزاع.

سياسة الإغلاق الإقليمي: فشل الجزائر في بناء علاقات اقتصادية ودبلوماسية متنوعة في إفريقيا وأوروبا، على النقيض من المغرب الذي استطاع استثمار شراكات متعددة لتحقيق اندماج إقليمي ملموس.

ضعف الحجج الاقتصادية والتنموية: لم تتمكن الجزائر من تقديم بدائل تنموية واقعية للمناطق المتأثرة بالنزاع، في حين أظهرت المشاريع المغربية على الأرض قدرة ملموسة على التنمية والاستقرار.

انعكاسات العزلة على المستوى الدولي والإقليمي

تآكل النفوذ الإقليمي: فقدت الجزائر قدرتها على التأثير في إفريقيا والساحل، فيما يترسخ دور المغرب كشريك استراتيجي موثوق في مشاريع التنمية والأمن.

ضعف الشرعية السياسية: تصطدم الرسائل الجزائرية بالأولويات الجديدة للشركاء الدوليين، الذين يفضلون الحلول الواقعية المرتبطة بالتنمية والاستقرار.

تراجع القدرة التفاوضية: تقلص هامش المناورة الجزائرية في أي عملية تفاوضية مستقبلية، ما يجعل خياراتها محدودة بين الردود الانفعالية أو القبول بشروط أقل ملاءمة.

– تآكل الاعترافات بالكيان الوهمي وانكشاف الطروحات الانفصالية
الرؤية الملكية السامية… الأساس والدافع

لقد شكلت الرؤية الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس، منذ توليه العرش سنة 1999، الأساس والمنطلق للنجاحات الدبلوماسية المغربية في قضية الصحراء، حيث تم الجمع بين الثبات في المبدأ والمرونة في الأسلوب، ما أكسب المغرب مصداقية كبيرة أمام المنتظم الدولي.

وفي ترسيخ للرؤية الملكية كإطار شامل للنجاح الدبلوماسي المغربي، يجمع بين الشرعية التاريخية، الواقعية السياسية، والتنمية كأدوات لتعزيز مكانة المغرب على المستوى الدولي والإقليمي، أكد جلالته بمناسبة عيد العرش 2025 الأمر قائلا: “إننا نعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد للنزاع حول الصحراء المغربية… وبقدر اعتزازنا بهذه المواقف، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”

وقد جاء الخطاب الملكي تؤكدا على الرؤية الاستراتيجية المتكاملة للمملكة المغربية، التي تبرز عناصرها الأساسية من خلال:

الرؤية الملكية كأساس للنجاح الدبلوماسي: الجمع بين الثبات في المبدأ (الدفاع عن السيادة المغربية على الصحراء) والمرونة في الأسلوب (العمل الدبلوماسي والحوار مع الشركاء الدوليين) أسس لمصداقية المغرب أمام المجتمع الدولي.

الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي: حيث يشير جلالته إلى أن الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي يعكس تقدير المنتظم الدولي للنهج المغربي الواقعي والعملي، ما يعزز موقف المملكة في المحافل الأممية ويضع أي أطروحة معارضة في مأزق.

التزام بالحل التوافقي: التأكيد على أن الحل يجب أن يكون “لا غالب فيه ولا مغلوب” يوضح أن المغرب يسعى إلى حل مستدام يحفظ استقرار المنطقة ويضمن احترام الأطراف، ويعكس منطق الشرعية الواقعية والبراغماتية السياسية.

تراجع الاعترافات الدولية

شهدت السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا في الاعترافات بالكيان الانفصالي، إذ انخفض عدد الدول المعترفة من نحو 70 دولة في عام 2000 إلى 25 دولة حاليا، أي بانخفاض يزيد عن 63%. ويؤكد هذا التراجع فشل الأطروحة الانفصالية في جذب الشرعية الدولية، مقابل نجاح المغرب في بناء مشروع سياسي واقعي وموثوق، قائم على السيادة الوطنية والتنمية الشاملة للأقاليم الجنوبية.

من منطق المواجهة إلى منطق البناء والشرعية

لقد تحول الاهتمام الدولي من جدلية الاستفتاء إلى جدلية الحل السياسي الواقعي القائم على التوافق، بما يضعف جذريا أطروحة الانفصال ويؤكد مكانة المغرب كشريك موثوق في إطار الأمم المتحدة. ومن هنا، أصبح واضحا أن المسار المغربي لا يهدف إلى صراع حدودي مؤقت، بل إلى بناء هندسة مستدامة للاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.

فكما جاء في خطاب الملك بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء (2021): “إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة، لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع.”

وهو الخطاب الملكي الذي جاء مكرسا لمنطق البناء والشرعية بدلا من المواجهة، من خلال تأكيده لنقاط أساسية:

الثبات التاريخي والشرعي: التأكيد على أن مغربية الصحراء ليست قضية سياسية وقتية، بل مستندة إلى التاريخ والشرعية الدولية، ما يحول النقاش من جدلية إلى قاعدة شرعية قابلة للإقناع والحوار.

الإرادة الوطنية: إبراز “إرادة قوية لأبنائها” يضع المواطن والمجتمع في قلب المشروع، مع التركيز على الشرعية الداخلية كداعم للاستقرار بدل الصدام الخارجي.

الاعتراف الدولي الواسع: الربط بين الثابت التاريخي والإرادة المحلية وبين الاعتراف الدولي يعكس نهجا براغماتيا يقوم على البناء على الحقائق الواقعية، لا على النزاعات العقيمة، ما يجعل الحوار والحلول التوافقية أساس التعامل مع الأطراف الأخرى.

باختصار، يمكن قراءة هذا الخطاب على أنه تحول من منطق الصراع والمواجهة إلى منطق الاعتراف بالحق، البناء على الشرعية، وتعزيز الحلول الواقعية المستدامة.

– المغرب، قوة استقرار وريادة استراتيجية

إن الملامح الدبلوماسية والسياسية التي رافقت جلسة مجلس الأمن نهاية أكتوبر 2025 تجسد نجاح المغرب في تحويل قضية الصحراء إلى نموذج عالمي للريادة الاستراتيجية، حيث يدمج بين الشرعية التاريخية، والفعالية الميدانية، والتنمية الاقتصادية، ما يجعله قوة استقرار محورية على الصعيدين الإقليمي والدولي. بينما بقيت الجزائر حبيسة سرديات عفا عليها الزمن، انعكس ذلك في عزلة دبلوماسية مستمرة وفقدان التأثير الاستراتيجي.

فقد سبق وأن أكد جلالته في خطاب ملكي بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء (6 نونبر 2014)، أن “المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.

هذه الحقيقة لا تعكس مجرد موقف سياسي، بل استراتيجية متكاملة ومحكمة، تستند إلى الرؤية الملكية السامية، وتترجم الالتزام الثابت بالوحدة الوطنية، وتحويل النزاع الإقليمي إلى مشروع دبلوماسي وتنموي ناجح ومستدام.





Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة