رغم التصعيد الديبلوماسي.. فرنسا تمنح 250 ألف تأشيرة للجزائريين في عام 2024 بزيادة 91%

admin21 أغسطس 2025آخر تحديث :
رغم التصعيد الديبلوماسي.. فرنسا تمنح 250 ألف تأشيرة للجزائريين في عام 2024 بزيادة 91%


قفز عدد التأشيرات التي منحتها فرنسا للجزائريين إلى 250 ألف تأشيرة في سنة 2024 وحدها، أي بزيادة تقارب 91 في المئة خلال عامين فقط، وفق بيانات رسمية فرنسية، وهو الارتفاع المفاجئ الذي يعيد مستوى التأشيرات تقريبا إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا، رغم أن باريس ترفع في خطابها الرسمي شعار تشديد الرقابة على الهجرة، فيما المفارقة أن هذه القفزة تخص الجزائريين أكثر من غيرهم، في وقت لم يتجاوز فيه معدل الزيادة الإجمالي لبقية الجنسيات 64 في المئة، ما يجعل من الحالة الجزائرية استثناء لافتة وسط علاقة ثنائية متوترة أصلًا بين البلدين.

ووفقا لمعطيات رسمية صادرة عن مرصد الهجرة والديموغرافيا ووزارة الداخلية الفرنسية،  فقد ارتفع عدد التأشيرات من 131.279 سنة 2022 إلى 250.095 في عام 2024، أي بزيادة بلغت 91 في المئة وهي القفزة اللافتة التي تأتي في سياق حساس، إذ تؤكد الحكومة الفرنسية في خطابها الرسمي أنها تسعى إلى تشديد الرقابة على الهجرة والتحكم في تدفق المهاجرين، في حين أن الأرقام تسير في الاتجاه المعاكس، ما يعكس مفارقة تحتاج إلى قراءة دقيقة في ضوء المعطيات السياسية والدبلوماسية القائمة.

يشرح نيكولا بوفرو-مونتي الباحث في قضايا الهجرة لصحيفة “أتلانتيكو” الفرنسية أن هذا الرقم على ضخامته ليس بغير المسبوق، إذ إنه يعادل تقريبا المستويات التي كانت مسجلة قبل جائحة كوفيد-19، خاصة سنة 2019، ومع ذلك، فإن ما يثير الانتباه هو الدينامية المتسارعة التي أعقبت الأزمة الصحية، حيث عرفت التأشيرات الممنوحة للجزائريين استئنافا قويا ومتواصلا دون قيود، في وقت لم يشهد فيه إجمالي عدد التأشيرات الممنوحة من طرف فرنسا سوى زيادة أقل نسبيا، لم تتجاوز 64 في المئة خلال الفترة نفسها، وبذلك فإن الجزائر تمثل حالة خاصة، حيث ارتفعت الأرقام بوتيرة أسرع وأوضح من باقي الدول.

وهذه الظاهرة لا يمكن فصلها عن الطبيعة الخاصة للعلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي تظل مشوبة بالتوتر رغم محاولات التهدئة الدبلوماسية، فمنذ أزمة تخفيض التأشيرات سنة 2021، حين قررت باريس فرض قيود مشددة على تأشيرات الجزائريين بسبب خلافات حول التعاون في ملف ترحيل المهاجرين غير النظاميين، بقيت العلاقات عالقة في دائرة شد وجذب ورغم الزيارات الرسمية المتبادلة، فإن الملفات الخلافية حول الذاكرة الاستعمارية، والتعاون الأمني، والوضع الإقليمي في الساحل فضلا عن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، إضافة إلى تقارب الجزائر المتزايد مع موسكو، جعلت من الصعب بناء ثقة مستقرة وفي خضم هذه العلاقات المتوترة، يثير ارتفاع عدد التأشيرات تساؤلات عميقة حول ما إذا كان الأمر يعكس واقع سياسة هجرة مرنة تجاه الجزائر، أم مجرد عودة إلى الوضع السابق بعد انقطاع ظرفي سببه الوباء.

ولفهم المسألة بشكل أوضح، من المهم التمييز بين مفهوم التأشيرة وبطاقة الإقامة فالتأشيرة، من الناحية القانونية، تمثل إذنا مؤقتا بدخول الأراضي الفرنسية والتنقل فيها، وتكون صالحة لفترة قصيرة لا تتجاوز في العادة ثلاثة أشهر، أو طويلة تصل إلى سنة كحد أقصى أما بطاقة الإقامة، فهي وثيقة تمنح صاحبها الحق في الإقامة الدائمة أو طويلة الأمد بفرنسا، وتبدأ مدتها عادة من سنة قابلة للتجديد لكن العلاقة بين الوثيقتين ليست منفصلة، بل مترابطة بشكل كبير، إذ يمكن أن تشكّل التأشيرة بوابة أولى للحصول على بطاقة إقامة، خاصة بالنسبة للجزائريين الذين يستفيدون من الاتفاقية الفرنسية-الجزائرية التي تسهّل عملية الانتقال من وضعية الحاصل على تأشيرة إلى حامل بطاقة إقامة.

وتبرز هذه العلاقة بشكل أوضح في حالة التأشيرات الطويلة الأمد الممنوحة لأسباب عائلية، لاسيما تلك المرتبطة بإجراءات لمّ الشمل الأسري فالكثير من المستفيدين يدخلون إلى فرنسا بموجب هذه التأشيرات ثم يتقدمون بطلب بطاقة إقامة، وهو ما يجعل من التأشيرة نقطة انطلاق لمسار إقامة منتظمة وطويلة الأمد وبهذا المعنى، يمكن القول إن الزيادة الكبيرة في عدد التأشيرات لا تعكس فقط تيسيرا للزيارات القصيرة، وإنما تحمل في طياتها دينامية ديموغرافية واجتماعية طويلة الأثر على المجتمع الفرنسي.

وما يحدث اليوم في العلاقات الفرنسية الجزائرية يعيد طرح ملف التأشيرات في قلب التجاذب السياسي والدبلوماسي بين البلدين، ففي الوقت الذي تكشف فيه المعطيات الرسمية عن تضاعف عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين في ظرف عامين، بزيادة بلغت 91 في المئة، تتجه باريس في خط موازٍ إلى تقييد امتيازات التأشيرات الممنوحة للدبلوماسيين الجزائريين بعدما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن تعليق العمل باتفاق 2013 الذي كان يعفي حاملي الجوازات الرسمية والدبلوماسية من التأشيرة، فيرسالة عقابية مرتبطة بخلافات عميقة حول ملف ترحيل المهاجرين غير النظاميين، وامتداد للتوتر السياسي القائم.

رد الجزائر لم يتأخر، إذ أعلنت بدورها إلغاء الإعفاءات التي كان يتمتع بها الدبلوماسيون الفرنسيون، وحرمان السفارة الفرنسية من بعض الامتيازات التقليدية مثل المقرات المجانية وهذا التبادل في القرارات يعكس مناخا من القطيعة شبه التامة، سبق أن تجسّد في تبادل طرد دبلوماسيين بين باريس والجزائر في ماي الماضي على خلفية قضايا سياسية وأمنية حساسة في مقدمتها ملف الصحراء، وهي خطوة دفعت وزير الخارجية الفرنسي حينها إلى وصف العلاقات بأنها وصلت إلى حالة “انسداد كلي”.

في هذا السياق، تبدو المفارقة أكثر وضوحا من جهة، تعلن فرنسا تشديد الرقابة على الهجرة وتوظّف ورقة التأشيرات للضغط على الجزائر على المستوى الرسمي، ومن جهة أخرى، تكشف الأرقام عن ارتفاع غير مسبوق في عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين العاديين، ما يوحي بأن باريس لا تستطيع كبح الطلب الاجتماعي والتاريخي المرتبط بالتنقل بين الضفتين ذلك أن الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تُعتبر من أكبر الجاليات الأجنبية، تشكّل واقعا ديموغرافيا واقتصاديا يصعب على أي حكومة فرنسية تجاهله أو التضحية به بالكامل.

هذا التناقض في السياسات يجسّد بدقة طبيعة العلاقة الفرنسية الجزائرية، فالعلاقة متأرجحة بين التصعيد السياسي ومحاولات امتصاص الغضب الشعبي عبر تسهيلات ملموسة في ملفات تمس حياة الناس مباشرة مثل التأشيرات وبالتالي فإن قفزة 250 ألف تأشيرة ليست مجرد رقم إداري، بل مؤشر على استمرار الروابط القوية بين المجتمعين رغم القطيعة السياسية، وفي الآن ذاته ورقة ضغط تتأرجح بين شد وجذب في واحدة من أعقد العلاقات الثنائية على الضفة الغربية للمتوسط.

يذكر، أنه وفق معطيات المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء، يُقدَّر عدد الجزائريين المقيمين بفرنسا بما يزيد عن 1.7 مليون نسمة، بينهم أكثر من 800 ألف يحملون الجنسية الفرنسية بعد الحصول على التجنيس وهذه الكتلة البشرية تعد قوة اجتماعية واقتصادية متجذّرة في النسيج الفرنسي، حيث ينحدر جيلان أو ثلاثة من أصول جزائرية يشاركون في سوق العمل والتعليم والسياسة المحلية.

وتعد الجالية الجزائرية من أبرز الفاعلين في التحويلات المالية نحو الجزائر إذ تشير تقارير البنك الدولي إلى أن تحويلات الجزائريين المقيمين في الخارج وغالبيتهم في فرنسا  تجاوزت 2 مليار دولار سنويا في السنوات الأخيرة، وهذه التحويلات تُعتبر شريانا اقتصاديا مهما للاقتصاد الجزائري، وتزيد من حساسية ملف التأشيرات، لأن أي تضييق على تنقل الجزائريين ينعكس مباشرة على تدفق الأموال نحو الداخل.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة