في تحول مؤسسي لافت يشي بإعادة ترتيب موازين النفوذ داخل الجهاز التنفيذي، صادق مجلس الحكومة خلال اجتماعه الأسبوعي اليوم الخميس على مرسوم يقضي بإعادة تنظيم وهيكلة المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، مع قرار مثير يتمثل في إلحاقها مباشرة برئاسة الحكومة بعد أن ظلت لسنوات تابعة لوزارة العدل، ما يعكس، حسب مراقبين رغبة واضحة في سحب ملف حساس وذي رمزية كبرى من يد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ليصبح تحت إشراف مباشر لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهو ما يعطي لهذا التحول أبعادا سياسية داخلية وخارجية في آن واحد.
وأوضح مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، في الندوة الصحافية التي أعقبت اجتماع المجلس، أن هذه الخطوة تروم تعزيز مكانة المندوبية كمرجعية وزارية عليا تعمل تحت إشراف رئيس الحكومة، وتمكينها من أداء أدوار أقوى وأكثر تأثيرًا على الصعيدين الوطني والدولي.
وأكد المسؤول الحكومي، أن الهيكلة الجديدة تأتي في سياق مواكبة التزامات المملكة تجاه الآليات الأممية والإقليمية، واستيعاب التوصيات الصادرة عنها داخل السياسات العمومية، بما يعكس صورة المغرب كدولة ملتزمة بتطوير منظومتها الحقوقية.
المرسوم الجديد لم يقتصر على تغيير الوصاية، بل تضمن إعادة بناء هيكل تنظيمي واسع يقوم على أربع مديريات كبرى هي مديرية إعداد التقارير الوطنية والتتبع، ومديرية الدراسات والرصد والتعاون الدولي والإقليمي، ومديرية التخطيط والعلاقات مع المجتمع المدني، ومديرية الميزانية والموارد البشرية والشؤون العامة وهي هندسة مؤسساتية تمنح المندوبية صلاحيات أوسع وقدرة أكبر على التخطيط والتنسيق وتثمين الخبرات الوطنية، فضلا عن تمكينها من الانفتاح على المجتمع المدني وتقوية حضورها في المحافل الدولية.
وبموجب هذه الهيكلة، ستصبح المندوبية قادرة على متابعة إعداد وتقديم التقارير الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، والتعامل مع الشكاوى الفردية وفق القوانين الوطنية، إلى جانب تنسيق جهود مختلف القطاعات والمؤسسات كما ستشارك بفاعلية في المؤتمرات القارية والدولية، بما يعزز شبكة العلاقات الحقوقية للمغرب ويجعلها أداة محورية لإبراز الإصلاحات المنجزة، انسجاما مع الرؤية الاستراتيجية للملك محمد السادس التي تعتبر حقوق الإنسان ركيزة مركزية داخل الدستور والسياسات العمومية.
لكن ما يثير الانتباه أكثر هو أن القرار يُقرأ أيضا من زاوية سياسية داخلية، إذ انتزع من وهبي ورقة كانت تمنحه وزنا إضافيا داخل الحكومة، ليضعها في يد أخنوش الذي عزز بذلك وفي سنته التشريعية الأخيرة سلطته المباشرة على ملف يثير اهتماما دوليا ويتسم بحساسية قصوى في علاقة المغرب مع شركائه الدوليين وبذلك، تحولت المندوبية إلى أداة من أدوات رئاسة الحكومة، ما يمنحها بعدا سياسيا يتجاوز البعد الإداري، ويرجح أن يكون له انعكاس على التوازنات داخل التحالف الحكومي وعلى صورة المغرب في الخارج.
وهذا التحول هو إشارة إلى إعادة تموقع في قلب المعادلة الحكومية، حيث بدا أن رئيس الحكومة يسحب تدريجيا الملفات الثقيلة من يد بعض الوزراء، ليعيد تركيز السلطة في رئاسة الحكومة إذ يجد وهبي نفسه وقد خسر ورقة حقوق الإنسان، بينما عزز أخنوش موقعه كفاعل أساسي في هذا المجال، وهو ما قد يفتح الباب أمام قراءات متعددة لمستقبل العلاقة بين الرجلين داخل الحكومة، ويعيد إلى الواجهة سؤال توزيع الصلاحيات الحقيقية في التجربة الحكومية الحالية.



