بكاميرا مُثبتة أمامه بعناية، وصوت مسموع بنقاء يَشي بأنه التُقط باحترافية، دشَّن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، موسمه “الدعائي” الجديد، لينشر، عبر فريقه التواصلي، فيديوهات أُريد لها أن تبدو عفوية من زيارته لإقليم الحوز، إلا أن محاولة ربطها بمرور عامين على وقوع الزلزال المُدمر الذي هز المنطقة سنة 2023، عجزت عن حجب سياق آخر، وهي أن الرجل يستعد مع حزبه، التجمع الوطني للأحرار، لانتخابات تشريعية مُقررة في غضون سنة من الآن.
مرة أخرى، ودون أي مُستجد في الأسلوب، مُقارنة بما حدث قبل سنوات عندما كان “أغنى رجل أعمال في المغرب” يُعد العدة لتولي رئاسة الحكومة سنة 2021، حل أخنوش رفقة فريقه الدعائي بمنطقة الحوز، وحاول مُجددا رسم “لوحات” ستُسوقُ وكأنها لقطات عفوية، عبر العديد من وسائل الإعلام الموالية له، وحسابات منصات التواصل الاجتماعي المُجندة لتلميع صورته، لكن النتيجة كانت أيضا ثابتة، ومفادها أن رئيس الحكومة “لم يُخلق للتواصل”.
أراد أخنوش أن يبدو وكأنه المسؤول الرفيع الذي حل بمنطقة الحوز، مُتحررا من الهندام الرسمي، مُستجيبا “بتواضع” لدعوة السكان المحليين لاستضافته في منازلهم، لذلك ظهر جالساً وسطهم وهو ممسك بكأس شاي، ويسألهم عن زراعة الرُّمان ومحصول الزيتون، ليتلقى منه ردودا إيجابية وهم يبتسمون، وكأنهم تجاوزوا محنة الزلزال، التي أصر هو مرارا على نفي وجود أي “تقصير” من حكومته بشأن وضع المتضررين منها، ثم ظهر أيضا، في مشهد آخر، وكأنه يطمئن على وصول الماء إلى سكان أحد الدواوير، بينما مُحدِّثُه يجتهد في التأكيد على أن كل شيء على ما يرام.
لكن الثابت أن لا شيء عفوي في المنشورين المرئيين، اللذان تقل مدتهما مجتمِعَين عن دقيقة واحدة، فالمكلفون بـ”إخراج” هذا الظهور “غير الرسمي” لرئيس الحكومة، أصروا، بمبالغة كبيرة على وضعه في منتصف المشهد في الفيديو الأول، مع كاميرا ثابتة وإجابات قصيرة و”وردية” ضمن محادثة مسموعة بوضوح، أما في الثاني فيظهر فيه أحد مرافقي أخنوش في المشهد السابق، وخلفهما مباشرة يقف حامل الكاميرا، ليُصور زميلا آخر له على يسار رئيس الحكومة، في مشهد أقرب إلى “السينما” منه إلى الحدث العفوي.
أخنوش إذن، وقع مرة أخرى في “فخ” اعتاد عليه منذ سنوات، وهو “الدعاية الفجة”، وأكد مجددا أن الأموال الكثيرة والفريق الإعلامي الكبير ودروس التواصل المكثفة وجيش وسائل الإعلام وحسابات التواصل الاجتماعي، كلها “أدوات” لا تنفع في رسم مشهد “عاطفي” أو “صادق” عن رجل السياسة والمال، ما دام مُفتقرا للمَلَكة أساسًا، وما دام عاجزا عن اختيار الأسلوب والتوقيت المناسبين، لذلك كان من الطبيعي أن تكون النتيجة النهائية هي سيلٌ من الانتقادات، التي دفع أعضاء من حزبه شاطروا المَشهدين على حساباتهم، إلى إغلاق خاصية التعليقات.
وبشكل مثير للاستغراب، اعتقد أخنوش أن هذه الخرجة الدعائية، التي تلت بأيام حواره التلفزيوني الذي ردد فيه إجابات مرتبكة وأحيانا غير مفهومة بخصوص تأخر عمليات إعادة إعمار الأقاليم المتضررة من الزلزال، ستُشيح بالأنظار عن احتجاجات المغاربة ضد تردي المنظومة الصحية، والتي انطلقت، للمفارقة، في مدينة أكادير، التي يتولى رئاسة مجلسها الجماعي، لكن، وبشكل بديهي، ربط أغلب المُعلقين الحدثين معا، على اعتبار أن الأمر يتعلق بـ”أسلوب قديم” لـ”المراوغة” ومحاولةٍ غير مجدية لاستدرار “التعاطف الشعبي”.
الأدهى من ذلك، هو أن أخنوش، وجد نفسه أيضا أمام مرمى نيران انتقادات أخلاقية، فرئيس الحكومة الذي اكتفى بتدبير ملف ما بعد الزلزال من مكتبه في الرباط طيلة سنتين، لم يتذكر العودة إلى الميدان إلا في غمرة التحضير للانتخابات القادمة، وكأن لا أحدا من فريقه التواصلي انتبه إلى أن تحويل مآسي الحوز إلى ورقة انتخابية قد تنقلب على صاحبها، خصوصا إذا كان يوجد في أعلى مناصب المسؤولية.



