شهدت سنة 2024 ارتفاعا كبيرا في عدد التقارير المعروضة على لجنة التأديب بالمجلس الأعلى للقضاء، منتقلة من 80 قاضيا سنة 2021، إلى 1324 قاضيا وقاضية العام الماضي، بنسبة ارتفاع غير مسبوقة بلغت أكثر من 1400 بالمئة.
وسجل تقرير جهود المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تخليق المنظومة القضائية لسنة 2024، ارتفاع وتيرة الأبحاث والتحريات حول القضاة، إذ فتحت المفتشية العامة، خلال سنة 2024، 179 ملفا جديدا للبحث والتحري، فيما أنهت أبحاثها بشأن 208 ملفات رفعت تقاريرها النهائية إلى الرئيس المنتدب، ليحيلها بدوره على لجنة التأديب طبقا للقانون التنظيمي للمجلس.
وأوضح المصدر ذاته أن المفتشية كلفت بتتبع ثروة 9 قضاة وتقدير ثروة 12 آخرين، في تراجع ملحوظ عن السنوات الثلاث السابقة، حيث كان العدد أكبر بكثير (21 حالة تتبع الثروة سنة 2021 مقابل 9 فقط سنة 2024).
وأكد المجلس الأعلى للقضاء أن هذه الطفرة لا تعكس ارتفاعا في المخالفات، بل تفسَّر بجاهزية الأبحاث المؤجلة من السنوات السابقة، وتوفير موارد بشرية إضافية للمفتشية العامة، فضلا عن التفرغ الكبير الذي خصصته اللجنة لدراسة التقارير.
وكشف تقرير سنة 2024 أن القرارات المتخذة بحق القضاة جاءت متنوعة، إذ تم تعيين مقرر (168 قاضيا)، الحفظ (998 قاضيا)، والحفظ مع لفت الانتباه (46 قاضيا)، والحفظ مع لفت الانتباه والتكوين (91 قاضيا)، وتقدير الثروة 12 حالة بالموافقة وحالة واحدة بالرفض.
وأبرز أنه بعد تعيين المقررين لإجراء أبحاث معمقة، رفعت تقارير جديدة سنة 2024 شملت 91 قاضيا، انتهت إلى إحالة 70 منهم على المجلس التأديبي، مقابل حفظ 21 ملفا، مؤكدا أنه “ما يبرز منحى تصاعدي واضح حيث ارتفع عدد حالات الإحالة من 35 قاضيا سنة 2021 إلى 70 قاضيا سنة 2024، أي تضاعف خلال أربع سنوات”.
وبتّ مجلس الأعلى للسلطة القضائية في 44 ملفا تأديبيا شمل 65 قاضيا، وأسفرت هذه المتابعات عن عقوبات تأديبية صارمة، أبرزها 3 حالات عزل، وحالة واحدة للتقاعد الحتمي، و9 حالات للإقصاء المؤقت عن العمل مع الحرمان من الأجر، و20 إنذارا وتوبيخا (10 لعقوبة الإنذار و10 لعقوبة التوبيخ)، إضافة إلى حالتي براءة.
ورغم ارتفاع عدد الإحالات، لاحظ التقرير انخفاضا في عدد القضاة الذين تمت مؤاخذتهم فعليا سنة 2024 (35 قاضيا) مقارنة بسنة 2023 (52 قاضيا)، أي بانخفاض يقارب 33 بالمئة.
وفيما يتعلق بطبيعة الإخلالات والعقوبات، أوضح المجلس أن الإخلال بواجبات مهنية جاء في الصدارة بـ68.5 بالمئة، ثم واجبات أخلاقية بـ 25.7 بالمئة، والإخلال بالشرف أو الثروة غير المبررة بـ 5.7 بالمئة.
أما العقوبات، فهمّت الإنذار والتوبيخ شكلا بحوالي 57 بالمئة من مجموع العقوبات، والعزل والتقاعد الحتمي والإقصاء المؤقت بــ37 بالمئة.
ومن حيث توزيع القضاة الذين صدرت في حقهم مقررات تأديبية خلال سنة ، كشف تقرير سنة 2024 أن الغالبية يزاولون مهامهم في قضاء الحكم بـ23 قاضيا، مقابل 12 قاضيا في النيابة العامة.
أما من حيث النوع، يضيف المصدر ذاته، فقد بلغ عدد الذكور33 قاضيا مقابل حالتين فقط من الإناث، فيما سجلت الفئة ما بين 50 و59 سنة العدد الأكبر بـ 15 قاضيا، تليها الفئة ما بين 60 و75 سنة بـ 9 قضاة.
وشدد المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن عمله يرتكز في شقه التأديبي على مبدأ الحزم والصرامة في مواجهة كل إخلال أخلاقي أو مهني صادر عن القضاة، انسجاما مع رسالته الدستورية في تخليق منظومة العدالة وتعزيز ثقة المجتمع في القضاء.
وأوضح أنه يعتمد في تنزيل هذه المقاربة على ترسانة قانونية متينة، تتقدمها آليات المفتشية العامة للشؤون القضائية، المخولة بموجب القانون 38.21 إجراء الأبحاث والتحريات بأمر من الرئيس المنتدب، إلى جانب تتبع وتقدير ثروة القضاة وأسرهم بعد موافقة المجلس.
وأشار إلى أن المقاربة التأديبية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تؤكد “أن تخليق العدالة لا يقتصر على التوجيه والتحسيس، بل يقوم أيضا على إجراءات صارمة ومؤسسات فعالة لمواجهة أي تجاوزات، مع ضمان الشفافية في نشر المعطيات وتعزيز ثقة الرأي العام في استقلالية القضاء ونزاهته”.



