رغم الجهود المبذولة في المغرب لرقمنة الخدمات المالية، في إطار خطة وطنية للشمول المالي والحد من تداول “الكاش”، ما زال الأخير يُمثل 29 في المئة من الناتج الداخلي الخام. غير أن بنك المغرب قد حدد بالفعل الخطوات التالية التي من شأنها زيادة رقمنة المعاملات المالية للمغاربة، والتي تشمل إجراءات لفائدة المعاملات النقدية بالأسواق الشعبية والعالم القروي ولدى تجار القرب.
وفي هذا الصدد، أكدت المتخصصة في تطوير خدمات الدفع لدى بنك المغرب، فدوى جوالي، أن 100 بالمئة من الأسر المغربية باتت تمتلك هاتفاً ذكياً واحدا على الأقل، كما أن معدل انتشار الإنترنت يُعد مرتفعاً جداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك على مستوى القارة الإفريقية، مع انتشار العديد من الحلول الرقمية التي أصبحت جزءاً من العادات اليومية للمغاربة.
وحول مدى نضج الخدمات البنكية الرقمية بالمغرب، أكدت المتحدثة، خلال مرورها ببرنامج “بودكاست بنك المغرب”، أن المغرب بات يعرف انتشاراً كبيراً للتطبيقات البنكية على الهواتف المحمولة، كما أن الخدمات المالية عبر الويب تطورت أيضاً لتلبية حاجات دقيقة.
وأوضحت أن دراسات بنك المغرب أبانت عن أن المغاربة آخذون في التخلي تدريجيا عن “الشيكات” لفائدة التحويل البنكي، كما ظهر تفضيل واسع لدفع الفواتير وتعبئة الهواتف وغير ذلك بواسطة التطبيقات، مؤكدة أن “هناك طلباً حقيقيا في هذا الاتجاه، وليس هناك تردد في صفوف المستهلكين بقدر ما يُلاحظ وجود استعمالات لم تُرقمن بعد، وربما احتياجات لم تُلبَّ بعد بالكامل”.
وبشكل عام، يعيش المغرب لحظة وسيطة من تاريخه المالي، فمن جهة هناك رقمنة واسعة للخدمات البنكية، لا تزال تملك هامشاً كبيراً للتطور، ومن جهة أخرى فإن التداول النقدي ما زال مرتفعاً.
ووفقاً لدراسات أجراها بنك المغرب، فكلما تطورت وسائل الدفع الرقمية بالمغرب، كان لذلك أثر إيجابي في خفض تداول النقد، وهو ما دفع المؤسسة إلى تحديد الروافع اللازمة لتوسيع انتشار وسائل النقد الرقمي هذه؛ بداية بضرورة هيكلة الاقتصاد، بحيث يُعد القطاع غير المهيكل الأقل لجوءً للخدمات المالية الرقمية، مع تسهيل استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، وتعزيز الثقافة المالية والرقمية، وكذا تعريف المستهلكين بالمنتجات والعروض المتاحة.
وفي التفاصيل؛ تُرجمت هذه الدراسات إلى محاور استراتيجية أبرزها العمل على تعزيز “قبول وسائل الدفع الإلكترونية”، “ذلك أن المغرب يواجه اليوم مشكلة تتعلق بالقبول، وأعني بالقبول أن العديد من الأشخاص يمتلكون وسائل دفع إلكترونية: لديهم بطاقات بنكية، ومحافظ إلكترونية، وتطبيقات، لكن السؤال هو: ماذا يفعلون بها؟”، تقول المسؤولة.
وأضافت “من بين الاستخدامات الشائعة نجد التحويلات من شخص إلى آخر لأنها بسيطة، رغم أنه يمكن تحسينها أكثر لتفادي إدخال 24 رقماً المتعلقة بالحساب البنكي (RIB)، والانتقال إلى معرّفات مختصرة أو رموز تسهّل العملية”.
أما على مستوى الدفع لدى التجار؛ “فنلاحظ أن المستهلكين الأكثر دراية يسألون أولاً “هل لديكم جهاز الدفع الإلكتروني؟، وتتعدد الإجابات: فمن التجار من يقول “لا نملك جهاز TPE”، ومنهم من يجيب أن “الجهاز لا يعمل”، أو “موجود لكنه لا يُستخدم إلا عند تجاوز مبلغ معين”.
وأوضحت أن كل هذه الملاحظات تم أخذها بعين الاعتبار لأنها تساهم في عادات الدفع؛ “المستهلك الذي يملك بطاقة بنكية يجد نفسه مضطراً لسحب النقود لسببين، إما لأنه لم يجد وسيلة رقمية للاستخدام اليومي، فيتوجه إلى الصراف الآلي، أو لأنه ينظم ميزانيته الشهرية عبر سحب كامل راتبه أو معظمه عند استلامه”.
“من خلال تحسين القبول لدى التجار، وتقديم عروض أكثر جاذبية، والعمل على تخفيض التكاليف وتعزيز المنافسة، إلى جانب تثقيف التجار والمستهلكين مالياً ورقمياً، سنصل إلى رقمنة الاستخدامات السهلة والسريعة”.
“ثم يأتي الجانب الثاني، وهو الاستجابة لحالات الاستخدام اليومية، فعندما يسحب المواطن كامل راتبه، فذلك لتغطية نفقات قد تبدو صعبة الرقمنة، لذا يجب معالجة هذه الحالات المحددة، فمثلاً بالنسبة للأسواق الشعبية، يجب تطوير حلول مناسبة، وفي المناطق القروية، قد لا يكون جهاز TPE عملياً، لكن يمكن استخدام رمز ‘QR’ أو حتى تحويل الهاتف الذكي إلى وسيلة قبول للدفع”.



