الاعتداء على السيادة القطرية يعيد إلى الواجهة جدوى منظومة درع الجزيرة وجدلية الوزن العسكري

admin11 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الاعتداء على السيادة القطرية يعيد إلى الواجهة جدوى منظومة درع الجزيرة وجدلية الوزن العسكري


شكل استهداف إسرائيل، في عملية عسكرية نوعية لقيادات حماس، أول أمس الثلاثاء، بالعاصمة القطرية الدوحة، حدثا غير مسبوق، في خطوة وُصفت بالخطيرة من حيث دلالاتها السياسية والأمنية والإقليمية.

الضربة الاسرائيلية الموجهة ضد قيادات حماس بالعمق القطري، لم يكن وقعها محصورا في أبعادها المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، بل تعداها إلى انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي جعل العيون تتجه سريعا إلى المنظومة الخليجية وموقفها الجماعي المفترض بموجب اتفاقية الدفاع المشترك.

فمنذ توقيع اتفاقية الدفاع المشترك في المنامة سنة 2000، أكدت دول الخليج أنها تؤسس لعقيدة دفاعية جماعية تنطلق من أن أي اعتداء على عضو منها هو بمثابة اعتداء على جميع الأعضاء، حيث رُسّخت هذه القاعدة ضمن الاستراتيجية الدفاعية التي أُقرت لاحقا بالكويت سنة 2009، وتم تطوير قوات درع الجزيرة منذ إنشائها في ثمانينيات القرن الماضي لتصبح قوة تدخل مشتركة تدعم جيوش دول الخليج. 

كما جرى إنشاء قيادة عسكرية موحدة سنة 2013، كإطار عملي للتخطيط وإدارة العمليات الدفاعية المشتركة، لكن مع مرور السنوات، ظل السؤال قائما، بخصوص قدرة هذه الهياكل على حماية السيادة الخليجية من أي خرق، كما حدث بالنسبة للضربة الإسرائيلية في الدوحة والتي تمثل اختبارا صريحا لهذه المنظومة منذ إقرارها.

وفي قراءة تاريخية لمسار التعاون الدفاعي تكشف أن دول الخليج، وإن أبدت التزاما بمفهوم الأمن الجماعي، فإنها لم تصل إلى مستوى الاندماج العسكري الكامل، حيث أن التباينات السياسية بين العواصم، واختلاف الحسابات الإقليمية والدولية، جعلت تفعيل الاتفاقية يتم بشكل محدود، ويقتصر على مناورات مشتركة وبيانات سياسية أكثر من كونه التزاما قاطعا بالرد الجماعي.

من جهة أخرى، لا يمكن فصل الاعتداء الإسرائيلي في قلب الدوحة، عن التحولات الجيوسياسية التي عاشتها المنطقة في العقد الأخير، حيث شهدت مسارا متسارعا للتطبيع بين بعض دول الخليج وإسرائيل، وتحوّلا في أولويات الأمن الخليجي من مواجهة الخطر الإسرائيلي التقليدي إلى التركيز على التهديد الإيراني وأذرعه في المنطقة.

 هذا التبدل جعل إسرائيل شريكا محتملا في بعض الحسابات الاستراتيجية، وهو ما انعكس على مستوى التعاون الأمني والتكنولوجي الذي برز علنا، غير أن الضربة الإسرائيلية في قطر قد تقلب هذه المعادلة رأسا على عقب، فهي تكشف أن تل أبيب، مهما بلغت مستويات التقارب، لا تتورع عن المساس بسيادة دولة خليجية إذا اقتضت حساباتها الأمنية ذلك.

وإذا كانت الاستراتيجية الدفاعية المشتركة التي أقرت بالكويت سنة 2009 قد نصّت على ضرورة إجراء تقييم دوري للتهديدات الاستراتيجية، فإن ما حدث في الدوحة يفرض إعادة صياغة هذا التقييم جذريا، حيث لم يعد التهديد محصورا في إيران أو الجماعات المسلحة، بل امتد ليشمل إسرائيل نفسها التي بدا من خلال الضربة العسكرية الأخيرة في قلب الدوحة، أنها تتعامل مع الخليج كفضاء مفتوح لعملياتها الاستخباراتية.

في المقابل، يظل الدور الأمريكي عاملا محددا لا يمكن إغفاله، فالولايات المتحدة، بوصفها الحليف الأمني الأول للخليج، ترتبط بشراكة استراتيجية عميقة مع إسرائيل، ومن جهة أخرى مطالبة بالحفاظ على استقرار الخليج الذي يمثل شريانا حيويا لأسواق الطاقة العالمية، وهذا التناقض قد يفسر الصمت أو المواقف الملتبسة لواشنطن تجاه الاعتداء على الدوحة، لكنه يضع دول المجلس أمام حقيقة وهي تحرير قرارها الدفاعي من الارتهان الكامل للخارج.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة