“التروتينيت” تدخل مدونة السير وسط مخاوف من مآسي جديدة على الطرق – الصحيفة

admin19 ديسمبر 2025آخر تحديث :
“التروتينيت” تدخل مدونة السير وسط مخاوف من مآسي جديدة على الطرق – الصحيفة


صادق مجلس الحكومة، أمس الخميس على مشروع مرسوم يغيّر ويتمّم الإطار التطبيقي لمدونة السير على الطرق في ما يخص المركبات غير أن هذا القرار الذي قُدّم باعتباره تفاعلا مع ظهور وسائل تنقل جديدة وتطور أنظمة المساعدة على السياقة، يفتح في العمق نقاشا أوسع حول حدود الإصلاح في سياسة السلامة الطرقية بالمغرب وحول الفجوة المزمنة بين تحديث النصوص القانونية واستمرار المأساة اليومية على الطرق.

المصادقة الحكومية همّت مشروع المرسوم رقم 2.24.393 القاضي بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.10.421 الصادر في 29 شتنبر 2010، والمتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 52.05 الخاص بمدونة السير على الطرق بشأن المركبات، وهو مرسوم قدّمه وزير النقل واللوجيستيك عبد الصمد قيوح، وأُخذت فيه، وفق البلاغ الرسمي، بعين الاعتبار “الملاحظات المثارة”.

ومن حيث الشكل، لا يتعلق الأمر بتعديل تشريعي شامل بل بإصلاح تنظيمي يطال المرسوم التطبيقي أي الحلقة التي تربط القانون بالواقع العملي، غير أن أهميته تكمن في كونه اعترافا رسميا متأخرا بتحولات عميقة عرفها الفضاء الطرقي المغربي خلال السنوات الأخيرة وهي تحولات فرضتها التكنولوجيا وأنماط تنقل جديدة وسلوكيات لم يعد الإطار القانوني القديم قادرا على استيعابها.

وخلال العقد الأخير، شهدت الطرق العمومية بالمغرب انتشارا متسارعا لوسائل تنقل جديدة، من دراجات كهربائية و “تروتينيت” بمحركات إلى دراجات بدوس مساعد ومركبات خفيفة هجينة لا هي دراجات تقليدية ولا دراجات نارية كاملة.

هذه الوسائل اقتحمت المجال العمومي بسرعة تفوق قدرة التشريع على المواكبة ووجدت نفسها تتحرك في منطقة رمادية قانونيا بلا تعريف واضح، وبلا شروط تقنية مضبوطة وغالبا بلا تأمين أو تسجيل أو مراقبة في وقت بدأت فيه حوادث السير المرتبطة بها تفرض نفسها كمعطى واقعي في المدن الكبرى.

المرسوم الجديد يأتي ليضع حدا نظريا لهذا الفراغ، عبر إدراج تعريفين جديدين لمفهومي “مركبة التنقل الشخصي بمحرك” و”الدراجة بدوس مساعد” وهي خطوة تأسيسية لأن القانون لا ينظم ما لا يسمّي، وبمجرد التعريف يصبح الحديث ممكنا عن الالتزامات والمسؤوليات والعقوبات.

غير أن هذا الاعتراف القانوني يطرح سؤال التوقيت والنجاعة، إذ يأتي بعد سنوات من الاستعمال الفعلي وغير المنظم لهذه الوسائل، وبعد أن تحوّل الفضاء الطرقي إلى مجال تنازع بين مستعمليه في غياب قواعد واضحة، ويُسجَّل في هذا السياق أن المرسوم يفتح المجال أمام تعديل وزن وأبعاد المركبات المأذون بها بقرار يصدر عن السلطة الحكومية المكلفة بالنقل، في محاولة لإضفاء مرونة تنظيمية تسمح بالتفاعل السريع مع تطور السوق.

في السياق ذاته، يقدّم المرسوم نفسه كجزء من ورش تبسيط المساطر الإدارية داخل مصالح الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية وهو شعار تكرر في الخطاب الحكومي دون أن يقترن بتقييمات دقيقة لحصيلة الإصلاحات السابقة فلا تفاصيل حول طبيعة هذه التبسيطات ولا مؤشرات قياس ولا آجال واضحة للتنزيل، ما يعزز الانطباع بأن الإصلاح الإداري ما يزال يُطرح كغاية في حد ذاته، لا كوسيلة لتحسين الأداء وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وهنا يبرز ما يعتبره عدد من المتتبعين جوهر الإشكال، إذ يلاحظ أن المرسوم رغم حداثته التقنية يتجنب الخوض في الأسئلة الحاسمة المرتبطة بالميدان من قبيل المراقبة الفعلية على الطرق، وتنسيق الأدوار بين الشرطة والدرك والجماعات الترابية، وتقييم السياسات السابقة، وربط أي إصلاح قانوني بحصيلة واضحة ومعلنة.

وفي هذا السياق، يقول الخبير في السلامة الطرقية حميد العباسي في تصريح لـ”الصحيفة” إن “المغرب لا يعاني من نقص في القوانين ولا في المراسيم، بل من عجز مزمن في التنزيل والمراقبة”.

وأوضح الخبير أن كل نص جديد يُقدَّم كحل، بينما الواقع يثبت أن المشكلة ليست في ما نكتبه بل في ما لا نطبقه، وفي غياب المحاسبة عندما تفشل السياسات وتستمر الأرواح في السقوط على الطرق.

ويضيف الخبير أن “إدخال مفاهيم جديدة وأنظمة تقنية متقدمة لن يغيّر شيئا إذا لم يُواكب بإعادة نظر جذرية في حكامة السلامة الطرقية، وفي طريقة اشتغال الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، وفي علاقتها بباقي المتدخلين. الخطر اليوم هو أن نراكم نصوصا متقدمة على الورق، بينما الواقع الميداني يتأخر بخطوات”.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة