تواصل الدبلوماسية الجزائرية تمسكها بـ”سياسة النعامة” في تعاطيها مع التطورات المتسارعة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، رغم التحولات العميقة التي شهدها هذا الملف داخل مجلس الأمن وفي مواقف القوى الكبرى.
وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، اختار في حوار مع قناة “الجزائر الدولية” أن يعيد إنتاج الخطاب التقليدي ذاته، متجاهلاً ما أثبته القرار الأممي الأخير من دعم متزايد لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ عام 2007 باعتبارها الحل الواقعي والعملي الوحيد للنزاع.
ورغم أن مجلس الأمن جدد مرة أخرى ثقته في المسار السياسي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، ودعا الأطراف إلى التفاوض بروح من الواقعية والتوافق، إلا أن عطاف حاول تقديم القرار كما لو أنه “انتصار دبلوماسي للطرح الانفصالي”، متحدثاً عن “إفشال المغرب في فرض مشروعه” وعن “تجديد عهدة المينورسو كدليل على توازن النص”، في قراءة انتقائية تتجاهل الجوهر الحقيقي للقرار الذي يؤكد ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي ومستدام في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية.
تصريحات عطاف تكشف استمرار الجزائر في رفض الاعتراف بالمتغيرات الدولية المحيطة بالقضية، سواء تعلق الأمر بالموقف الأمريكي الثابت الداعم لمقترح الحكم الذاتي، أو بتزايد عدد الدول التي تساند هذا الطرح وتفتتح قنصلياتها بالأقاليم الجنوبية.
كما غاب في خطابه أي إشارة إلى أن المجتمع الدولي لم يعد يتعامل مع الجزائر كـ“دولة مراقبة”، بل كطرف رئيسي مسؤول عن استمرار النزاع من خلال دعمها المادي والسياسي لجبهة البوليساريو.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الرباط بلغة المستقبل، مركزة على التنمية والنهوض بالأقاليم الجنوبية، تصر الجزائر على البقاء أسيرة خطاب الماضي، متشبثة بمفاهيم عفا عنيها الزمن كـ“تقرير المصير” بمعناه الانفصالي، متجاهلة التحول العميق الذي جعل الأمم المتحدة نفسها تتحدث اليوم عن “حل سياسي واقعي وذي مصداقية”.
ويرى عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الأخيرة تعكس استمرار الجزائر في نهج دبلوماسية الإنكار والمراوغة بدل الانخراط الواقعي في مسار الحل السياسي لقضية الصحراء المغربية.
أردف في السياق نفسه أنه “بدل الاعتراف بالتحولات العميقة التي يشهدها الملف داخل مجلس الأمن، وبتزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، اختار عطاف إعادة إنتاج سردية قديمة تتحدث عن “تقرير المصير” و“الطرح الصحراوي”، في محاولة يائسة لإحياء خطاب فقد صداه داخل المنتظم الدولي”.
واعتبر في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية أن هذه المقاربة تكشف تمسك المؤسسة الحاكمة في الجزائر بنمط تفكير يعود إلى زمن الحرب الباردة، حيث كان الصراع الإيديولوجي يسبق منطق المصالح الإقليمية.
واعتبر أنه من خلال هذا الحوار، حاول عطاف إقناع الرأي العام الداخلي بأن القرار الأممي الأخير لم يكن في صالح المغرب، متحدثًا عن “فشل” المملكة في تمرير مشروعها داخل مجلس الأمن، في حين أن القراءة الموضوعية للقرار تؤكد العكس تمامًا. فالوثيقة الأممية حافظت على مرجعياتها الثابتة منذ 2007، حين أشاد مجلس الأمن لأول مرة بمقترح الحكم الذاتي باعتباره “حلاً جديًا وواقعيًا وذا مصداقية”.
كما أبرز في حديثه للجريدة أن القرار أعاد التأكيد على دعوة الأطراف إلى التفاوض بروح التوافق والواقعية، وهي إشارات دبلوماسية واضحة تصب في صالح الطرح المغربي، وتُضعف الخطاب الانفصالي الذي تراهن عليه الجزائر منذ عقود.
وقال عبد العالي سرحان إن ما لم يقله عطاف هو أن الجزائر أصبحت اليوم معزولة سياسيًا داخل هذا الملف، بعدما باتت أغلب القوى الدولية تعتبرها طرفًا مباشرًا في النزاع، لا مجرد “بلد جار”.
ويؤكد أن هذا التحول في المواقف الدولية أربك الخطاب الرسمي الجزائري الذي وجد نفسه أمام معادلة صعبة: إما الانخراط في المسار الأممي كطرف مسؤول، أو الاستمرار في خطاب “الضحية” الذي لم يعد يقنع أحدًا.
كما أشار الباحث في العلاقات الدولية إلى أن محاولات ربط القرار الأخير بمواقف أمريكية أو بتصريحات ثانوية لمسؤولين سابقين لا تخفي حقيقة أن واشنطن، ومعها باريس ومعظم العواصم الغربية، تتعامل مع مبادرة الحكم الذاتي المغربية كخيار وحيد واقعي لإنهاء النزاع.
وأكد المتحدث أنه يمكن القول إن تصريحات أحمد عطاف ليست سوى امتدادا لسياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها الدبلوماسية الجزائرية منذ سنوات. بدل مواجهة الواقع الجديد القائم على أولوية الحلول التوافقية والتنمية المشتركة، مشددا على أن الجزائر تواصل استثمار ورقة البوليساريو لإدامة توتر إقليمي يخدم حسابات داخلية أكثر مما يعكس رؤية استراتيجية.
وجزم عبد العالي سرحان بأنه مع استمرار عجزها عن التأقلم مع التحولات الجارية في الميدان الدبلوماسي، تُجازف الجزائر بتقزيم دورها في المنطقة، بينما يمضي المغرب بثبات نحو تكريس شرعية وحدته الترابية وتعزيز موقعه كشريك موثوق في استقرار الفضاء المغاربي والإفريقي.



