تعتبر مبادرة الحكم الذاتي آلية مبتكرة و من الناحية القانونية والسياسية في إدارة النزاعات ذات الطابع الانفصالي، أو مخلفات الاستعمار داخل الدول متعددة الأعراق و الهوية.
وقد أضحى هذا النموذج يشكل خيارا استراتيجيا لتسوية الأزمات التي عجزت عنها الحلول العسكرية، أو المفهوم التقليدي للاستفتاء. ومن هنا تبرز التجربة المغربية متمثلة في مقترح الحكم الذاتي لاقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، كحل يتمتع بالواقعية و قابلية التطبيق، خصوصا بعد الزخم الذي عرفه مع إشادة المنتظم الدولي بالمقترح، والذي تمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2797/2025 بتاريخ 31 أكتوبر 2025 والذي قعد لمبادرة الحكم الذاتي كأساس جدي لتسوية السياسية للنزاع حول الصحراء الغربية.
من خلال هذا، يظهر أن الحكم الذاتي يمثل آلية واقعية لتسوية النزاعات في افريقيا، حيث انه من المفهوم القانوني يتيح لجهة أو مجموعة ترابية معينة ممارسة صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية داخل كنف سيادة دولة مركزية، دون المساس بوحدتها الترابية أو بمركزها في القانون الدولي.
ينظاف إلى ذلك، أنه يتم تقنين هذا الواقع الجديد دستوريا، بحيث يترتب عن ذلك، منح سلطات موسعة بشكل كبير كما يقع في الولايات المتحدة الأمريكية، من تمتع الولايات بقوانين خاصة وحكم خاص، ويتبع سيادة الدولة الفيدرالية.
وتجب الاشارة إلى أن القارة الافريقية عرفت العديد من الأزمات التي تمس سيادة الدول، وقد أثبتت التجارب أن الدول حديثة الانفصال أثبتت فشلها في الاستمرار كما يحدث في دولة جنوب السودان، وبيافرا وتيغراي وكطنغا حيث أن مقاربة الانفصال دائما تؤدي إلى عدم استقرار السلم والأمن الدوليين، في المقابل تتيح مبادرة الحكم الذاتي حلا واقعيا يضمن استمرار الدولة والحفاظ على مبادى القانون الدولي المتمثلة في السلم و الأمن الدوليين.
تجدر الاشارة ان القرار 2797 الصادر بتاريخ 31 اكتوبر 2025 قد أكد على مسار التسوية الاممية الرامي إلى ايجاد حل واقعي ومقبول للنزاع في الصحراء، وقد أثبتت مبادرة الحكم الذاتي واقعيتها، وفيه إشارة واضحة إلى تبني الرؤية المغربية القائمة على منح الحكم الذاتي لاقليم الصحراء كحل واقعي وذي مصداقية، ومن خلال التمعن في مبادرة الحكم الذاتي نجد أنها تحمل عناوين رئيسة تتمثل في:
الإدارة المحلية والشرطة. إدارة ميزانية الجهة ونظام الجبايات. المرافق الاجتماعية كسكن والتشغيل والرياضة. الثقافة من خلال الاعتراف بالهوية الحسانية والثقافة الصحراوية.
إضافة إلى يعد المغرب بتضمين آلية مراقبة وضمانات مركزية ودولية لحسن تنفيذ مقترح الحكم الذاتي.
هذا الطرح، عرف إشادة واسعة من دول كبرى ودائمة العضوية في مجلس الأمن كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واسبانيا، إضافة إلى المستعمر السابق اسبانيا.
من خلال هذا، يتضح أن هذا الطرح يحمل فلسفة جديدة في إدارة النزاعات داخل القارة الافريقية، حيث يجمع بين مبدأ تقرير المصير وسيادة الدول بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، خصوصا المادة 2 منه.
ومن خلال تتبع بؤر التوتر في القارة الافريقية الناجمة عن مطالب الانفصال والتهميش السياسي، نجد حل الحكم الذاتي حلا واقعيا وذو مصداقية، يمكن أن يطبق في نزاع الصحراء الذي عمر لـ 50 سنة، كما تم تبنيه في إسبانيا بمنطقة كاتلونيا والباسك. ونجد كذلك أن توجه المغرب ينم عن توجه طموح في استقطاب طرف النزاع الآخر جبهة البوليساريو نحو مسار واقعي قائم على الحوار وتشارك الوطن بدل الانفصال، مما يجعل مقترح الحكم الذاتي نموذجا إفريقيا في إدارة التنوع ضمن الوحدة والحفاظ على سيادة الدول.
باحث بجامعة محمد الخامس الرباط وصحراوي من اقليم الصحراء
الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة


