في خضم حالة ترقب وطني استثنائية للخطاب الذي سيلقيه الملك محمد السادس غدا الجمعة، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية، قال الأمين العام الأسبق لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي، إن هذا الموعد “لن يكون إلا في مستوى اللحظة”، إذ أن المؤسسة الملكية ثعوّدت المغاربة على الارتقاء إلى حجم التحديات الكبرى التي تواجه البلاد”، كما لم يتردد العلوي في التشديد على أن المطالب التي رفعها شباب “جيل زيد” تظل مشروعة بالكامل لأنها تنبع من جوهر الحاجة إلى تخليق الحياة السياسية وإعادة الاعتبار للقطاعات الحيوية وفي مقدمتها الصحة والتعليم.
العلوي وهو وزير سابق للفلاحة ثم للتربية الوطنية، وفي تصريح خص به “الصحيفة” شدد على أنه لا يمكن القفز على المطالب المشروعة لشباب زيد ولا مجال لتأجيل الإصلاحات الجوهرية، مؤكدا أن الخطاب الملكي المنتظر غدا الجمعة سيكون “لا محالة في مستوى الحدث” كما ربط رهانات المرحلة بضرورة التقاط الرسائل الشبابية والاعتراف بأن الدستور المتقدم للبلاد لا يزال معطلا في الكثير من مقتضياته.
وأوضح العلوي أن المؤسسة الملكية اعتادت أن ترتقي إلى مستوى التحديات الكبرى موردا : “خطاب جلالة الملك سيكون من دون شك في مستوى اللحظة صحيح أن مضمونه لا يمكن التنبؤ به، لكن توقعاتنا تبقى إيجابية لأن المؤسسة الملكية عودتنا دائما على ذلك”.
وبالعودة إلى أسباب الاحتجاجات، قال العلوي إن “الجميع شاهد ما هي المطالب التي نادى بها شباب زيد، وهي مطالب مشروعة لا يمكن إلا أن نكون إلى جانبهم فيها”، كما بيّن أن جوهر هذه المطالب يتجلى في “تخليق الحياة السياسية بشكل عام” إلى جانب إصلاح قطاعي الصحة والتعليم باعتبارهما قطاعين استراتيجيين يمثلان ركيزة أي مشروع تنموي. وأضاف الوزير السابق ضمن التصريح ذاته “يمكن أن نضيف أيضا قطاعات أخرى في حاجة إلى المزيد من العناية والاهتمام، لأن اختلالاتها عميقة ولا يمكن تجاهلها”.
في تحليله للمشهد، عبّر العلوي عن أمله في أن تبقى الاحتجاجات في إطارها السلمي قائلا “لا يسعنا توقع مسار الأحداث في الأيام أو الأسابيع المقبلة، لكن نتمنى أن يكون التطور إيجابيا” مضيفا ” نحن حريصون جميعا على أن تبقى الأمور سلمية، وأن نحافظ على طابعها الحضاري”.
ولفت إلى أن “حماية المؤسسات واجب، لأنها أساسية بالنسبة لنا جميعا لكن المشكل أن ما نتوفر عليه من مؤسسات لا نستفيد منه كما ينبغي، وخاصة في إطار الدستور ومقتضياته”.
وتابع الأكاديمي المغربي موضحا: “دستور 2011 متقدم بل إنه متقدم جدا، سواء في ما يتعلق بالديمقراطية أو الديمقراطية التشاركية لكنه لا يُفعّل كما يجب وعلى الشعب في عمومه برجاله ونسائه، أن يهتم بتطبيقه وأن يحوّله من نصوص على الورق إلى واقع ملموس يغيّر حياة المواطنين”.
وجوابا على سؤال “الصحيفة” حول رسالته التي من الممكن أن يوجهها لشباب زيد اليوم، قال العلوي بلهجة صريحة ومباشرة، وجه العلوي رسالته: “مطالبكم مشروعة ونحن معكم، الله يحفظكم ويحفظكم أيضا من شر البشر وأتمنى لكم التوفيق، لأن بلدنا هو الأساس، وشعبنا هو الأساس”.
وختم العلوي تصريحه بتشخيص واقعي للوضع الراهن أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأمور، لكننا أمام لحظة حاسم المسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والكرة في ملعب السلطة السياسية فهي وحدها القادرة على إطلاق انفراج يفتح أبواب الثقة والأمل أمام جيل كامل.
وفي خضم هذا الانتظار الكبير، برز موقف لافت من شباب “جيل زيد”، الذين قرروا بشكل جماعي تعليق احتجاجاتهم مؤقتا احتراما للمؤسسة الملكية، في بادرة رمزية تعكس من جهة عمق ارتباطهم بالعرش، ومن جهة أخرى إيمانهم بأن الخطاب الملكي غدا قد يحمل إجابات عملية على ما رفعوه من مطالب اجتماعية وسياسية.
وهذا القرار، الذي وصفه العديد من المتابعين بالحكيم والناضج، جسّد وعيا سياسيا متقدما لدى هؤلاء الشباب الذين أثبتوا أنهم لا يبحثون عن الصدام بقدر ما يسعون إلى الإصلاح عبر قنوات حضارية وسلمية.
وتعليق الاحتجاجات جاء بمثابة رسالة ثقة موجهة مباشرة إلى الملك محمد السادس، مؤداها أن الشارع ينتظر إشارات قوية في خطابه لفتح صفحة جديدة من الانفراج السياسي وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية وقد اعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تضع الحكومة بدورها أمام مسؤولية مضاعفة، لأنها لا تستطيع الاختباء وراء التوترات الأمنية أو أعمال العنف لتبرير تقصيرها، بعدما برهن الشباب على قدرتهم على التنظيم والانضباط والتفاعل بإيجابية مع السياق الوطني.
وبين التفاؤل والحذر، يظل تعليق الاحتجاجات بمثابة “استراحة مشروطة”، مرتبطة بما سيحمله الخطاب الملكي من مضامين، وما ستقدمه الدولة من إجراءات ملموسة للرد على المطالب الملحّة المتعلقة بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية والانفراج السياسي.
وفي انتظار الغد، تبقى عيون الشباب معلقة على قبة البرلمان، حيث الكلمة الملكية المنتظرة قد تحدد مسار المرحلة المقبلة وتجيب عن سؤال جوهري هل يلتقط المغرب فرصة اللحظة ليشرع في إصلاحات حقيقية، أم يواصل الدوران في الحلقة المفرغة نفسها التي تحدث عنها بلافريج عند استضافته من طرف شباب زيد مساء أمس الاربعاء.



