الدورة الستون لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.. إنزالُ “للبوليساريو” من أجل الترويج للانفصال بعد تراجع الدعم الدولي للجبهة

admin8 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الدورة الستون لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.. إنزالُ “للبوليساريو” من أجل الترويج للانفصال بعد تراجع الدعم الدولي للجبهة


إنها العاشرة صباحا في “قصر الأمم” بجنيف. في باحة الاستراحة المحاذية لقاعة المؤتمرات الرئيسية Salle des Assemblées يجتمع عشرات الأشخاص من مختلف الجنسيات، وفي الردهات المؤدية إلى الاجتماع الأول للدورة الستين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يمكنُ سماع مختلف اللغات، الإنجليزية والفرنسية والهندية والتركية.. والكثير جدا من العربية، بمختلف لهجاتها، السورية والسودانية واليمنية… فمشاكل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تكاد تنتهي، وطبعا لا يمكن لبرنامج الاجتماعات الممتد طيلة شهر، أن يتجاهلها.

داخل القاعة، أناسٌ لا يمكن أن تُخطئهم العين، خصوصا إذا كنتَ مغربيا، لأن رِداء “الملحفة” الصحراوي يرتبط بموضوع واحد لا ثاني له، هو ملف الصحراء.. ففي سويسرا يكون هناك “إنزال” دوري لعناصر جبهة “البوليساريو”، الذين يغادرون كل صباح غرفهم في فنادق جُنيف، في محاولة لـ”إثبات الحضور” داخل الأروقة الأممية، والدفاع عن الطرح الانفصالي أو “ما تبقى منه” من مدخل “إنساني”، وعلى طاولةِ الوفود المشاركة توضع صُور مخيمات “تندوف” المريرة، لا باعتبارها واقعًا مُعاشا لمن يعرضونها، بل لأنها ورقةٌ فعّالة لاستجداء العواطف، في زمن حَسمت فيها معارك الدبلوماسية الكثيرة من المواقف.

قبل عام من الآن، كان المغرب، عبر سفيره في جنيف، وممثله الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة، عمر زنيبر، رئيسًا لمجلس حقوق الإنسان، كان ذلك هدفا دبلوماسيا ثمينا سجلته الرباط في مرمى الجزائر العاصمة، الداعم الرئيس للطرح الانفصالي، بعد عملٍ طويل أقنع معظم الدول الأعضاء بمنح أصواتها للمملكة، لذلك كان من المنطقي أن تُكثف الجزائر حضورها، رفقة ممثلي “البوليساريو”، للتواجد مجددا في أذهان الوفود المشاركة.

لكن لماذا الحديث عن الجزائر أولا؟ والجواب لا علاقة له بالربط التقليدي، الثابت سياسيا وتاريخيا، بين قصر المرادية الجبهة الانفصالية، بل بما يجري في جنيف، فمنذ اليوم الأول لاجتماعات الدورة الستين يمكن ملاحظة أن الدبلوماسيين الجزائريين وممثلي “البوليساريو” يُرافقون بعضهم أكثر مما يتفرقون، وبسهولة يمكن سماع نقاشات هي أقرب لـ”التعليمات”، بلكنة جزائرية يحاول الطرف الآخر التفاعل معها بلهجة حسانية لكنها ممزوجة بعبارات جزائرية، في مشهدٍ يسهل فيه التعرف عن الطرف “المُتحكم” في خارطة التحركات.

جانب من الحضور للدورة الستين لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف

“البوليساريو” هنا ليست حاضرة للمشاركة في النقاش، فجدول اليوم لا علاقة له بملف الصحراء أساسا، بل إن برنامج الاجتماعات الرسمية للدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، لم يُشر أبدا في أي من جلساته، لكن الهدف، كما يشرح ذلك أحد المشاركين المغاربة، هو “فرض الوجود”، لأن محفلا أُمميا كهذا المجلس يتيح لعناصر الجبهة الحديث مطولا مع ممثلي الدول الأخرى، والاحتكاك عن قرب بالمنظمات الحقوقية والإنسانية، لأن “رواية المظلومية لا زالت تلقى رواجا أكبر من الطرح السياسي”.

مجلس حقوق الإنسان افتتح جلساته بعرض ومداخلات طويلة حول بشأن تقارير المجلس وآلية التحقيق المستقلة حول حقوق الإنسان في ميانمار، وتحديدا ما يتعلق بما تتعرض له، أقلية “الروهينغا” المسلمة، وبعدها كانت هناك مناقشات طويلة أخرى تلت تقديم تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حول سريلانكا، وفي الجلستين كانت “البوليساريو” حاضرة.

الأمر كان أشبه بتبادل الأدوار، إذ ظلت سيدةٌ، تحققت “الصحيفة” من كونها تنتمي إلى الجبهة، جالسا في مقعدها طيلة الجلسة الأولى المخصصة لميانمار، ومع بداية مناقشة الملف الثاني دخلت سيدة أخرى مرتدية “الملحفة” مثل زميلتها، صافحتها ثم أخذت مكانها، وكأنَّ الهدف هو ألا يظل الكرسي فارغًا، حتى وإن كان الحضور رمزيا لا أكثر، إذ لم تنُصت القاعة لأي مداخلة من الاثنين.

بعض من المنتمين لجبهة البوليساريو الحاضرين كمجتمع مدني أو تحت يافطة “المنظمات غير الحكومية”

هنا، “البوليساريو” لا تصف نفسها بأنها “دولة”، ولا يستطيع ممثلوها أن يزعموا أنهم يمثلون “جمهورية”، لأن المكان المخصص يوجد ضمن المقاعد الخاصة بـ NGOs وهو اختصار لـ Non-Governmental Organizations أي “المنظمات غير الحكومية”، والثابت أيضا في مجلس حقوق الإنسان، أنه لا يمكن لأي من ممثلي الجبهة وضع “لافتة” تحمل عبارة “الصحراء الغربية” أو “الجمهورية الصحراوية”، لالتقاط صورة معها، كما حدث في طوكيو العام الماضي، أو في أكرا قبل أسابيع.

إصرار “البوليساريو” على الحضور في الدورات الرئيسية الثلاث لمجلس حقوق الإنسان خلال السنة، ليس أمرا خَفِياً، وورقة حقوق الإنسان لا زالت محور ثابتا في “المعركة الدبلوماسية” أمام المغرب، إلا أنها لم تعد بالقوة نفسها التي كانت عليها قبل سنوات، بعدما أصبحت “مكررة” ولم تعد تلقى الدعم الدولي الكافي، خصوصا مع بروز مقترح الحكم الذاتي المغربي بشكل كبير منذ 2020، بالإضافة إلى أن ملفات أخرى أصبحت تحجب “الأولوية” عن طرح “تقرير المصير”.

هذا الأمر يمكن استنتاجه من كلام العديد من مشاركين أجانب، في الدورة الستين، أحدهم، وهو من دولة عربية إفريقية، مُشارك باسم المنظمات المدنية، يؤكد أن عناصر الجبهة يحاولون الآن “صناعا رأي عام متعاطف معهم في الكواليس”، ويضيف “كانوا هنا العام الماضي، ويحضرون الآن، خلال تجاذب أطراف الحديث يحاولون دائما استحضار تقرير المصير عبر الاستفتاء”، ويسترسل “لكن الأغلبية اليوم تعلموا ألا يستمعوا إلى رواية واحدة”.

مشارك آخر من جنسية عربية أيضا، يلخص الأمر بطريقة أخرى قائلا: “قبل 10 سنوات أو 20 سنة كانت رواية البوليساريو تتمتع بقابلية التصديق أكثر بكثير من الآن، أما اليوم فقد توارت أمام مواضيع أكثر إلحاحا في فلسطين وسوريا واليمن وأوكرانيا”، قبل أن يضيف “الطرح المغربي أصبح يبدو الأكثر واقعية، إنه يتماشى مع المنطق، هذه قناعة الأغلبية هنا، حتى لو أخفتها المجاملات والدبلوماسية أحيانا، وربما على الجزائر الجلوس لطاولة الحوار لربح الوقت والجهد، وإنهاء هذا الصراع الذي لا طائل منه”.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة