كشفت صحيفة “ABC” الإسبانية أن العلاقات بين الحزب الشعبي الإسباني (المعارضة) والمغرب تمر بمرحلة ليست على ما يُرام، مشيرة إلى أن الخطة الجديدة التي يروج لها هذا الحزب في إسبانيا بشأن الهجرة قد تُفاقم التوتر القائم بين الطرفين وتُعمق من أزمة الثقة.
وجاء في تقرير “ABC“ الذي اطلعت عليه “الصحيفة” كاملا، أن توجُه الحزب الشعبي نحو اعتماد سياسة أكثر صرامة بخصوص الهجرة، تقوم على إعطاء الأولوية للمهاجرين القادمين من دول ذات “قرب ثقافي” كأمريكا اللاتينية، قد يُنظر إليه في الرباط كخطوة إقصائية تستهدف المغرب بشكل مباشر، خاصة مع ربط منح التأشيرات بمستوى التزام دول المنشأ بالتعاون في ضبط الحدود.
واعتبرت الصحيفة الإسبانية المذكورة، أن موضوع الهجرة يُعد من المواضيع التي يستعد الحزب الشعبي للتركيز عليها في الانتخابات المقبلة للتنافس من أجل الوصول إلى السلطة، ولا سيما في ظل وجود مخاوف لدى الإسبان من تداعيات الهجرة على البلاد، وهو ما سيكون له تأثير مباشر على العلاقات مع المغرب.
ولفت التقرير إلى أن هذا الموضوع قد يكون النقطة التي تفيض كأس التوتر بين الحزب الشعبي والمغرب، إذ أن العلاقات بين الطرفين تَكُن أصلا على ما يرام خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ فقد الطرفان قنوات الحوار بشكل شبه كامل، وسط تبادل مواقف وخطابات تفتقر إلى الانسجام، وصعوبة في استعادة الحد الأدنى من التفاهم.
وتعود بداية التوتر، حسب المصدر ذاته، إلى ربيع سنة 2022، عندما تولى ألبرتو نونييز فييخو قيادة الحزب الشعبي، في وقت كان رئيس الحكومة بيدرو سانشيز قد أقدم على التحول التاريخي في الموقف الإسباني بدعم خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، وهو الموقف الذي واجهه الحزب الشعبي بانتقادات لاذعة.
ووفق “ABC” فإن هذا التباين في المواقف سرعان ما تحول إلى قطيعة سياسية شبه كاملة، لم تنجح حتى فترة ما قبل الانتخابات العامة لسنة 2023 في ردمها، رغم محاولة الحزب الشعبي التزام بعض التوازن مع احتمالية وصوله إلى الحكم.
وقالت الصحيفة الإسبانية إن استياء المغرب من الحزب الشعبي تعمق أكثر في صيف العام الماضي، عندما وجّه الحزب دعوة إلى جبهة البوليساريو للمشاركة في مؤتمره الوطني، وهي خطوة أثارت غضب الرباط واعتُبرت خرقا واضحا لخطوط حمراء حساسة.
كما سلطت “ABC” الضوء على أن أزمة الثقة بين الطرفين انعكست على عدة محطات دبلوماسية، بينها الاجتماع رفيع المستوى بين حكومتي إسبانيا والمغرب مطلع سنة 2023، والذي غاب عنه الملك محمد السادس، وهو ما رد عليه قياديون في الحزب الشعبي بتصريحات قوية ضد الحكومة الإسبانية متهمة إياها بـ”الخضوع الكامل للمغرب”.
وأشارت الصحيفة المذكورة إلى أن الحزب الشعبي لم يكتف بمهاجمة موقف الحكومة الإسبانية من المغرب، بل واصل بدوره اعتماد خطاب متشدد تجاه المملكة، دون أن يبدي أيّ من قياداته البارزة استعدادا للتخفيف من حدته، ما جعل فرص بناء الثقة أكثر صعوبة.
ولم يقتصر الأمر على الجانب السياسي، حسب “ABC” بل امتد ليشمل المواقف الرمزية أيضا، حيث تغيب مسؤولو الحزب الشعبي عن حفل عيد العرش الذي نظّمته السفارة المغربية في مدريد يوليوز الماضي، في وقت حضر فيه وزراء بارزون من حكومة سانشيز، ما اعتبره مراقبون دليلا إضافيًا على الفتور القائم.
وترى “ABC” أن المغرب من جانبه أصبح أكثر قلقا من الخطاب الجديد للحزب الشعبي حول الهجرة، والذي يتماشى مع المزاج العام الأوروبي نحو تشديد الرقابة على الحدود، لكنه يثير مخاوف الرباط من زيادة التوتر بين الشعبين الإسباني والمغربي.
وقالت الصحيفة الإسبانية إن الاستطلاعات الأخيرة، حول الهجرة، تشير إلى أن ملف الهجرة أصبح في صدارة اهتمامات الإسبان، كما ارتفعت نسبة التشكيك في المغاربة، في سياق تنافس واضح بين الحزب الشعبي وحزب “فوكس” اليميني المتطرف على قيادة هذا النقاش.
ولفتت الصحيفة الإسبانية إلى أن حزب “فوكس” لا يخفي عداءه للمغرب، ويعبر عن ذلك علنا في البرلمان، فيما يحاول الحزب الشعبي مجاراة هذا الخطاب دون إعلان قطيعة صريحة، وهو ما يضع العلاقات مع المغرب في موقف أكثر هشاشة.
في المقابل، أشارت الصحيفة المعنية إلى أن قيادة الحزب الشعبي تُدرك أن العلاقات بين مدريد والرباط ستظل دائمًا محكومة بمعادلة شد وجذب، وأن أي حكومة إسبانية ستحتاج إلى بناء علاقة متينة مع المغرب بحكم الجوار والمصالح المشتركة، لكن المواقف الحالية لا تبشر بسهولة تحقيق ذلك.



