يشهد الساحل الإفريقي تطورات أمنية لافتة أعادت النقاش حول مستقبل “الحرب على الإرهاب” في المنطقة، وكشفت في الوقت نفسه عن الدور المتنامي للمغرب كفاعل محوري في دعم الاستقرار ومواجهة التنظيمات المتطرفة بدول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
فقد أُعلن مؤخرا عن عمليتين نوعيتين بارزتين، الأولى أسفرت عن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة كانوا محتجزين منذ يناير الماضي في شمال شرق بوركينا فاسو، في عملية نفذتها السلطات المالية بتنسيق وثيق مع المديرية العامة للدراسات والمستندات المغربية (DGED)، والثانية إعلان مقتل إبراهيم مُحمدو الملقب بـ”باكورا”، زعيم جماعة “بوكو حرام”، في جزيرة شيلوا بإقليم ديفا جنوب شرق النيجر.
صحيفة “لاراثون” الإسبانية كشفت أنه في 15 غشت 2025، أعلن الجيش النيجري نجاح عملية دقيقة استهدفت معقلا في جزيرة شيلوا بمنطقة بحيرة تشاد، انتهت بمقتل “باكورا”، أحد أخطر قادة “بوكو حرام”، وهي العملية التي استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها أجهزة إقليمية، وفي مقدمتها المغرب، الذي راكم خبرة واسعة في تتبع الشبكات الإرهابية عبر التعاون الأمني وتبادل المعلومات مع شركائه الأفارقة.
وأضاف المصدر ذاته أن أهمية العملية لا تكمن فقط في القضاء على الرجل الذي ارتبط اسمه بعمليات دموية مثل اختطاف أكثر من 300 تلميذ في “كوريغا” بنيجيريا عام 2024، أو بتفجيرات استهدفت أسواقا ومساجد، بل في كونها تجسد نقلة نوعية في طريقة تعامل دول المنطقة مع التهديدات، حيث أضحى التنسيق الاستخباراتي عاملا موازيا للقوة العسكرية المباشرة.
ولم يمض وقت طويل على إعلان مقتل “باكورا”، حتى سارعت جماعة “بوكو حرام” عبر منصاتها إلى نفي الخبر والتأكيد أن زعيمها لا يزال على قيد الحياة، غير أن معطيات الميدان وتراكم العمليات التي استهدفت قادة التنظيمات في المنطقة تؤكد أن هذا التنظيم يعيش لحظة تراجع، خاصة بعد فقدانه لأبرز قيادييه، بداية من أبوبكر شيكاو عام 2021 وصولا إلى “باكورا” الذي يبقى احتمال مقتله كبيرا .
وتشير هذه التطورات إلى تحول ملحوظ في طريقة مواجهة الإرهاب بمنطقة الساحل، حيث بات من الواضح أن العمليات العسكرية وحدها لا تكفي لوقف خطر الجماعات المتطرفة، فقد أظهرت عمليتا النيجر ومالي أن التعاون الاستخباراتي الإقليمي يمكن أن يشكل عاملا حاسما في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض، سواء في القضاء على قيادات ميدانية لتنظيمات مسلحة أو في إنقاذ رهائن وتأمين عودتهم واحباط تهريب الأسلحة.
وفي هذا السياق، يبرز دور المغرب باعتباره شريكا، أمنيا لدول المنطقة، من خلال تبادل المعلومات والدعم اللوجستي الذي ساهم في إنجاح العمليات الأخيرة، وهو ما أثار انتباه وسائل إعلام ومحللين محليين في منطقة الساحل، الذين أكدوا أن هذا الأمر “يعكس أهمية العمل الجماعي لمواجهة التحديات الإرهابية التي ما تزال تهدد استقرار الساحل والصحراء”.



