بغير قليلٍ من المُبالغات، تفاعلت العديد من الشخصيات العامة العربية مع الاحتجاجات التي شهدها المغرب خلال الأيام الماضية، فمنهم من رأى فيها “موجة جديدة من ثورات الربيع العربي”، ومنهم من اكتفى بـ”الدعاء الشهير” أن “يحفظ الله المغرب وأهله”، لكن لا أحد أبدى “الحماس” الذي أصرَّت عليه الناشطة اليمينية توكل كرمان، التي ذهب خيالها بعيدا لحد الحديث عن اقتراب المظاهرات من “القصر الملكي”.
الاحتجاجات التي شهدتها العديد من المناطق والأقاليم في المغرب، رافقتها الكثير من الأخبار الزائفة والمشاهد المفبركة، التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام، وللمفارقة، فإن هذا التضليل انتشر عبر الحسابات العربية أكثر بكثير من نظيرتها المغربية المعنية الأولى بالحدث، غير أن هذه الموجة ما فتئت أن هدأت خصوصا بعد انحصار أعمال الشغب.
ومع ذلك، فإن كرمان، لا زالت، إلى غاية اليوم، مُستمرة في واديها، فبالنسبة لها الأمر في المغرب يتعلق بـ”ثورة” وبرغبة في “إسقاط النظام”، على الرغم من أن مجموعة “جيل زِد 212” الداعية للاحتجاج نفسها حددت أسباب خروجها للشارع في مطالب اجتماعية تتعلق أساسا بالصحة والتعليم والتشغيل، ووجهت مطالبها إلى الملك محمد السادس نفسه، وأقصاها إقالة الحكومة التي يرأسها عزيز أخنوش.
آخر منشور لتوكل كرمان عبر حسابها الموثق على موقع “فيسبوك”، كان بتاريخ اليوم السبت 4 أكتوبر 2025، ويتضمن فيديو لاحتجاجات الأيام الماضية، ومعه العبارة التالية “انتفاضة شباب المغرب العظيم الثائر تعم أغلب مدن المغرب العربي، لكم المجد وكل الفخر، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر”.
لكن المنشور الأخطر كان بتاريخ الخميس 2 أكتوبر 2025، وعبرهُ كتبت الناشطة اليمنية التي تقدم نفسها على أنها “صحافية” ما يلي: “مظاهرات المغرب تقترب من القصر، المجد للشعب المغربي الثائر وكل الفخر”، وعلى الرغم من أن جل المعلقين المغاربة نبهوها، بطرق مختلفة، إلى أنها نشرت خبرا زائفا، فإنها لم تُكلف نفسها لا عناء التصويب ولا عناء حذف المنشور.
ورغم أن لا وكالات الأنباء الموثوقة ولا المنابر الإعلامية الدولية نشرَت هذه المزاعم، إلا أن تلك كانت “حقيقة” بالنسبة لكرمان، لكن الخبر الزائف لم يكن أخطر ما في الأمر، فالناشطة الحائزة على “جائزة نوبل للسلام” سنة 2011، أرفقت منشورها بفيديو لأعمال شغب، يظهر فيها أشخاص أغلبهم قاصرون، وهم يحطمون سيارات الشرطة ويضرمون النيران في الممتلكات العامة والخاصة، وهي صورٌ وإن كانت ليست من مدينة الرباط أساساً، فقد لقي مضمونها استنكارا وإدانة من طرف الداعين للاحتجاج قبل غيرهم، على اعتبار أنها تمثل جرائم لا مطالب مشروعة.
المثير في الأمر أن كرمان تقدم نفسها أيضا رئيسة لمنظمة “صحفيات بلا قيود”، وإذا كانت التحقق من المعلومة هي القاعدة الأولى التي يتعلمها الصحافيون المبتدؤون قبل نشر الخبر والوقوع في شرك الزيف، فإن الأمر بالنسبة لكرمان لا يستحق تصحيحا ولا اعتذارا، وإنما منشورا آخر لمجتجين في شارع بمدينة طنجة، مصحوب بعبارة “المجد للمغرب وشبابه الثائر، أشعر بالإلهام والفخر ولا غالب إلا الله”.
وأكد التفاعل مع احتجاجات المغرب، انتقادات كثيرة وجهت لكرمان خلال السنوات الماضية، ومفادها أن اعتيادها التنقل بين المؤتمرات الدولية، منذ حصولها على جائزة نوبل بشراكة مع رئيسة ليبيريا السابقة إلين جونسون سيرليف، والناشطة الحقوقية الليبيرية ليما غبوي، جعلها مُنفصلة عن الواقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك بلادها، اليمن، التي تعيش حالة انقسام وحرب أهلية منذ ما يقارب عقدا ونصف، تشير الأصابع لها بتحمل جزء من مسؤوليتها، باعتبارها إحدى أبرز محترفات “اللعب على حبال” الانقسام السياسي والقَبلي والمذهبي.
الحماس الذي لدى توكل كرمان لأي حراك احتجاج في العالم العربي، والرغبة المُلحة في تحويله إلى “ثورة” تلتهم الأخضر واليابس، يمكن فهم دوافعه بشكل أثر وضوحا إذا ما علمنا أنها وفرت مسبقا لنفسها “الحماية” عندما حصلت على الجنسية التركية سنة 2012، من يدي وزير خارجية أنقرة حينها، أحمد داود أوغلو، على اعتبار أن أصولها تعود لولاية “كرمان” في تركيا.
ومع ذلك، فإن الإصرار الذي تُبديه كرمان على ترسيخ صورة الفوضى والرغبة في إسقاط النظام، في المغرب تحديدا، من خلال منشورات يُتابعها 3,6 ملايين شخص عبر “فسبوك” وحده، حتى بعد 3 أيام من انتهاء أعمال التخريب وتراجع الزخم الاحتجاجي بشكل ملموس، يطرح علامات استفهام كبيرة حول دوافع السيدة الأربعينية التي لا زالت تعيش على مجد “جائزة نوبل”، ويعطي الانطباع بأنها حولت نفسها إلى آلة دعائية تُوظفها أنظمة في مواجهة أخرى، حتى لو كانت الضريبة هي المصداقية.



