كشفت التطورات الأخيرة المرتبطة بارتفاع غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من الجزائر نحو جزر البليار، عن “ازدواجية المعايير” في التعاطي السياسي لأحزاب اليمين الإسباني، ومن ضمنها الحزب الشعبي، في التعامل مع ملف الهجرة، حيث سُجل عليها استعمال خطاب مغاير لما اعتادت عليه مقارنة بخطابها تُجاه المغرب.
ففي الوقت الذي لم تتردد فيه هذه الأحزاب، خلال السنوات الماضية، في توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى المغرب واتهامه بممارسة “ابتزاز سياسي” تجاه مدريد عبر ملف الهجرة، اختارت الصمت إزاء التدفقات الكبيرة القادمة من السواحل الجزائرية، رغم أن المعطيات الرسمية والإعلامية الإسبانية تشير إلى أن أسبابها ترتبط أساسا بمواقف سياسية ودبلوماسية بين مدريد والجزائر.
صحيفة “ABC” الإسبانية، القريبة من التيار اليميني، أكدت قبل أيام أن أعداد المهاجرين القادمين من الجزائر نحو جزر البليار وصلت إلى مستويات “قياسية وتاريخية”، مشيرة إلى أن من بين الأسباب الرئيسية لهذا الارتفاع اللافت هو عدم تدخل السلطات الجزائرية لوقف هذه التدفقات، بسبب الخلاف الدبلوماسي مع مدريد على خلفية دعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل لنزاع الصحراء.
ورغم أن هذه المعطيات تضع الجزائر في صدارة المسؤولية السياسية والأمنية عن هذه الأزمة، وفق عدد من التقارير الإعلامية الإسبانية، فإن الحزب الشعبي، باعتباره الحزب المعارض الأكبر في البلاد، وجه سهام انتقاداته إلى حكومة بيدرو سانشيز، متهما إياها بـ”الفشل في إدارة الملف”، دون أن يجرؤ على اتهام الجزائر بممارسة سياسة الابتزاز، كما فعل في مناسبات عديدة مع المغرب إلى جانب حزب “فوكس” اليميني المتطرف.
هذا التباين في الخطاب السياسي يعكس، وفق متابعين، ازدواجية واضحة في المعايير لدى الأحزاب اليمينية، إذ يتم التعامل مع المغرب من زاوية الخصومة السياسية، بينما يتم تجاهل الدور الجزائري رغم المؤشرات الواضحة التي تؤكد مسؤوليته المباشرة عن فتح الطريق أمام المهاجرين.
ولا تتردد الأحزاب الإسبانية اليمينية والمعارضة في اتهام المغرب بممارسة ضغط الهجرة على إسبانيا، بالرغم من أن وزارة الداخلية الإسبانية اعترفت أكثر من مرة بالدور المحوري الذي يلعبه المغرب في ضبط الهجرة، مشيدة بالتعاون الأمني والعملياتي مع الرباط الذي ساهم بشكل مباشر في تراجع أعداد المهاجرين الوافدين على إسبانيا في السنوات الأخيرة، خصوصاً عبر طريق جزر الكناري.
ففي العامين الماضيين فقط، سجلت إسبانيا انخفاضا ملحوظا في تدفقات الهجرة غير النظامية بفضل التنسيق الوثيق مع المغرب، وهو ما جعل مدريد تصف الرباط في بياناتها الرسمية بأنه “شريك أساسي لا غنى عنه” في حماية الحدود الأوروبية الجنوبية.
في المقابل، فإن تدفقات المهاجرين المنطلقة من الجزائر نحو جزر البليار ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة، حيث أظهرت الإحصاءات الرسمية أن مئات القوارب وصلت إلى شواطئ الأرخبيل خلال الأشهر الأخيرة، في وقت وصفت فيه السلطات المحلية هذه الظاهرة بأنها من “الأكثر كثافة في التاريخ الحديث” للجزر.
ورغم هذه الأرقام المثيرة للقلق، تواصل الأحزاب اليمينية الإسبانية تجاهل مسؤولية الجزائر، وتكتفي بتوجيه الاتهامات لحكومة سانشيز، وهو ما يراه مراقبون بمثابة “انحياز سياسي أعمى”، هدفه تسجيل نقاط داخلية ضد الحزب الاشتراكي الحاكم، بعيدا عن الاعتراف بالحقائق المرتبطة بالملف.
ويرى محللون أن هذا الموقف يعكس في جوهره تأثير الخلاف السياسي مع المغرب داخل الساحة الإسبانية، إذ تم توظيف ملف الهجرة مرارا كسلاح لمهاجمة الرباط في سياق التوترات الدبلوماسية السابقة، فيما تغضّ هذه الأحزاب الطرف عن ممارسات الجزائر في ظروف مشابهة.
ويشير هؤلاء إلى أن ازدواجية المعايير هذه لا تقتصر على التصريحات السياسية، بل تمتد إلى الخطاب الإعلامي لبعض المنابر المقربة من اليمين، حيث يتم تضخيم أي حادث مرتبط بالمغرب في موضوع الهجرة، بينما يتم التعامل مع القادمين من الجزائر على أنهم مجرد “ظاهرة إنسانية” أو نتيجة “أخطاء حكومية داخلية”.



