انطلاق المؤتمر الإقليمي لتعزيز النزاهة العمومية ومكافحة الفساد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

admin28 أكتوبر 2025آخر تحديث :
انطلاق المؤتمر الإقليمي لتعزيز النزاهة العمومية ومكافحة الفساد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا


أجمع المشاركون في المؤتمر الإقليمي حول تعزيز النزاهة العمومية ومكافحة الفساد في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي تحتضنه الهرهورة تحت رعاية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، على أن المغرب بات يشكل نموذجا إقليميا في ربط النزاهة بالتنمية، والشفافية بالثقة، والإصلاح بالمواطنة، بفضل مسار مؤسساتي إصلاحي تدعمه إرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية متقدمة. 

واعتبر نائب مدير الحوكمة العمومية بالمنظمة، يانوش بيرتوك، أن المملكة “أحرزت تقدما ملموسا في بناء منظومة وطنية للنزاهة تستحق الإشادة الإقليمية”، مشيرا” إلى أن الإصلاحات المغربية في مجال الشفافية والحكامة “أصبحت مرجعاً لتجارب عدة دول في المنطقة”، وذلك فيما قدم رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها محمد بنعليلو قراءة نقدية معمقة لتجربة المغرب، مؤكدا أن المملكة تمتلك “الشجاعة الكاملة للاعتراف بالثغرات، والإرادة الجادة لتجاوزها، والقدرة على تحويل نتائج التقييم إلى التزامات سياسية وإجراءات تنفيذية حقيقية”. 

جاء ذلك عقب، التام ممثلو هيئات مكافحة الفساد من المغرب والأردن والسيشل وزامبيا، إلى جانب مسؤولين من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) وخبراء من القارتين الإفريقية والعربية بأحد الفنادق المصنفة بالهرهورة، حيث ترددت في الكلمات الافتتاحية نبرة واحدة رغم تعدد الأصوات أن النزاهة العمومية لم تعد ترفا مؤسساتيا بل شرطا وجوديا لبناء الثقة واستدامة التنمية.

وكان نائب مدير الحوكمة العمومية بالمنظمة يانوش بيرتوك، أول المتحدثين فبادر إلى وضع الإطار العام للنقاش بكلمة حملت نَفَسا تحليليا وتقييما دقيقا للتحولات الجارية في القارتين الإفريقية والعربية، معتبرا أن “الفساد لم يعد مجرد خلل إداري، بل خطر بنيوي يقوّض النمو ويقمع الإصلاحات، ويضعف الثقة بين المواطن والدولة”. 

وأضاف أن انعقاد هذا المؤتمر في المغرب ليس صدفة، بل يأتي في مرحلة فارقة تعيشها المنطقة، حيث تتقاطع الإرادة السياسية بالإصلاح مع الرهانات الاقتصادية والاجتماعية التي تستدعي ربط التنمية بالشفافية والمساءلة.

وفي استعراضه للمعطيات الجديدة، أشار بيرتوك إلى أن إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهدان “مرحلة من القوة والفرص”، إذ من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان القارة الإفريقية في سن العمل بحلول سنة 2050، بينما تتعافى اقتصادات عدة دول من آثار التضخم والأزمات العالمية. لكنه استدرك قائلاً إن “الاستدامة الحقيقية لهذا النمو لا يمكن أن تتحقق ما لم تُدار الموارد العمومية بفعالية وشفافية، ويُستثمر المال العام في التعليم والبنية التحتية وفرص الشغل”.

وتوقف بيرتوك عند الدور المركزي للنزاهة العمومية بوصفها “الأداة الأكثر فاعلية في مواجهة الفساد وضمان العدالة في تدبير الشأن العام”، موضحاً أن الفساد لا يؤدي فقط إلى إضعاف المؤسسات، بل إلى إنتاج سياسات غير فعّالة وخدمات عمومية دون المستوى، ويجبر الكفاءات على البحث عن فرص خارج بلدانها. وأضاف أن تعزيز النزاهة هو في جوهره استثمار سياسي واقتصادي، لأنه يحمي المال العام ويعيد بناء الثقة في الدولة.

وفي السياق ذاته، أبرز أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تراكم تجربة تتجاوز عقدين في دعم بلدان المنطقة في مجالات الحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد، عبر ما سماه “منظومة الأدوات والمعايير الدولية” التي طورتها المنظمة لمساعدة الدول على تقييم أدائها وتعزيز مؤسساتها. ومن أبرز هذه الأدوات “توصية النزاهة العمومية” التي تساعد الحكومات على بناء أطر متكاملة لتوزيع المسؤوليات واعتماد آليات فعالة للمساءلة، و“توصية الشفافية في أنشطة الضغط والتأثير” التي تم تحديثها سنة 2024 لضمان ممارسة قانونية لأنشطة الضغط ضمن ضوابط تحول دون احتكار مجموعات نافذة للتأثير على القرار العمومي.

كما أشار إلى أهمية “مؤشرات النزاهة العمومية” التي طورتها المنظمة لتُمكّن الدول من قياس جودة سياساتها العمومية في مجال مكافحة الفساد وتحديد مكامن الخلل، موضحاً أن أربع دول من إفريقيا والمنطقة العربية، بينها المغرب، ساهمت حتى الآن في هذا التمرين الدولي. وقال في هذا الصدد إن “المعركة ضد الفساد لا تُربح بالأرقام أو التشريعات وحدها، بل ببناء ثقافة مؤسساتية قائمة على النزاهة والرقابة الذاتية”.

وفي ما يتعلق بالمغرب، خص بيرتوك المملكة بإشادة واضحة، معتبراً أنها “أحرزت تقدماً ملموساً في إصلاح منظومتها الوطنية للنزاهة”، مشيراً إلى أن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية واكبت عن قرب “جهود المغرب في تنفيذ إصلاحات تشريعية ومؤسساتية لتعزيز الشفافية والمشاركة المواطِنة”. 

وقال إن التجربة المغربية باتت مرجعاً إقليمياً في إدماج قيم النزاهة ضمن السياسات العمومية، موضحاً أن المنظمة دعمت المملكة في “تطوير إطار مؤسساتي يربط بين النزاهة والمساءلة والمشاركة المجتمعية”، وهو ما اعتبره “منهجاً ملهماً لبقية دول المنطقة”.

وأشار بيرتوك إلى أن المغرب، إلى جانب الأردن وتونس، كان في صلب مراجعات ميدانية أنجزتها المنظمة لتقوية أنظمة النزاهة الوطنية. ففي المغرب، دعمت المنظمة إصلاحات تتعلق بتعزيز الشفافية في الإدارة العمومية وتوسيع مشاركة المواطنين في تقييم السياسات العمومية، فيما شمل التعاون مع الأردن جهوداً لتقوية سياسات مكافحة الفساد وترسيخ مبادئ الحكومة المنفتحة.

وأكد بيرتوك أن انضمام المغرب إلى توصية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول النزاهة العمومية “يمثل تتويجاً لمسار طويل من الإصلاحات”، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة تتطلب “تجذير ثقافة النزاهة في الممارسة اليومية داخل المؤسسات العمومية”.

وبعد مداخلته، اعتلى المنصة محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ليلتقط خيط النقاش بوضوح وتحليل دقيق لما أفرزته مؤشرات المنظمة من خلاصات. في كلمته التي وُصفت بأنها “الأكثر عمقاً وجرأة في التقييم”، قال بنعليلو إن هذا المؤتمر “ليس مجرد اجتماع تقني أو مناسبة لتبادل التقارير، بل وقفة تقييم جماعية ولحظة مساءلة إقليمية نعيد فيها طرح السؤال الجوهري هل نجحنا في الانتقال من النصوص إلى الممارسة، ومن الإصلاح المعلن إلى الإصلاح المتجذر في الأداء العمومي اليومي؟”.

وأضاف أن نتائج تمرين مؤشرات النزاهة العامة أظهرت أن المغرب، شأنه شأن دول المنطقة المشاركة، حقق نتائج مهمة على المستوى التشريعي والمؤسساتي، ما يعكس “إرادة سياسية واضحة لبناء منظومة نزاهة وطنية متماسكة”، لكنه أوضح أن “التحليل لا يكتمل إلا بالجرأة على النقد”، مؤكداً أن “البعد الكمي في المؤشرات لم يتحول بعد إلى تحول نوعي في السلوك المؤسساتي، ولا إلى ارتفاع محسوس في منسوب ثقة المواطن في المرفق العام”.

وتوقف بنعليلو مطولا عند هذه النقطة، معتبرا أن المرحلة الجديدة “لم تعد مشكلتها في وجود القوانين، بل في ضمان فعاليتها واستدامة أثرها داخل المجتمع والإدارة”، داعياً إلى تجاوز منطق الاكتفاء بالنصوص نحو بناء ممارسة مؤسسية حية تجعل من النزاهة سلوكاً يومياً في القرار الإداري والسياسة العمومية.

وقال بنعليلو إن نقاط الضعف التي رصدتها الخلاصات العامة “لا تقل أهمية عن نقاط القوة التي أبرزتها”، لأنها تعكس طبيعة المرحلة التي يجب أن تدخلها المنطقة: “مرحلة لم تعد فيها الإشكالية في صياغة القوانين، بل في ضمان تملكها وتنفيذها بفعالية”.

وأضاف أن المغرب، من موقعه كمؤسسة دستورية مستقلة، يعتبر أن الانخراط الطوعي في برنامج مؤشرات النزاهة العمومية “لم يكن إجراءً تقنيا بل خيارا سياديا يعكس إيمانا راسخا بأن الشفافية ليست عبئاً على الحكومات، بل رأسمال للثقة ومصدر شرعية جديدة قوامها الكفاءة والمساءلة”.

وأوضح أن النتائج التي تم تحقيقها لا تمثل حكماً نهائياً، بل “أداة للتوجيه والتحسين”، تساعد على إعادة ترتيب الأولويات الإصلاحية وتصحيح المسارات الاستراتيجية، معتبرا أن كل نسبة إيجابية تم تسجيلها هي “ثمرة مجهود وطني، لكنها في الوقت نفسه دعوة إلى مضاعفة الجهود والاستمرار دون ارتياح أو اكتفاء”.

وبنبرة نقدية، قال بنعليلو: “كل مؤشر إيجابي نسجله اليوم يجب أن يُقرأ بوصفه نقطة انطلاق جديدة لا محطة ارتياح، ودليلا على أن الطريق الصحيح بدأ، لكنه يحتاج إلى جرأة أكبر في التنفيذ وتعبئة أوسع في التنسيق وعمق أكبر في المتابعة والتقييم”. 

وأضاف أن معيار النجاح الحقيقي “لا يقاس بعدد الاستراتيجيات أو الخطط المعلنة، بل بمدى قدرتها على إحداث أثر حقيقي في المدرسة والمستشفى والمرفق الإداري، وفي شعور المواطن بالإنصاف”.

ولم يتردد في القول إن المغرب، بقيادة  الملك محمد السادس، يمتلك ما يؤهله ليكون نموذجا إقليميا في ربط النزاهة بالتنمية والشفافية بالثقة والإصلاح بالمواطنة، لكنه في الآن نفسه “يمتلك الشجاعة الكاملة للاعتراف بالثغرات، والإرادة الجادة لتجاوزها، والقدرة على تحويل نتائج أي تقييم إلى التزامات سياسية وإجراءات تنفيذية ملموسة”.

وختم بنعليلو مداخلته بتوجيه نداء واضح إلى الشركاء الدوليين والإقليميين لتوسيع قاعدة التعاون التقني وتطوير أدوات تقييم منهجية مشتركة، قائلاً إن “بلداننا تمتلك اليوم من الرصيد المؤسساتي والكفاءات الوطنية والطاقات الشبابية ما يجعلها قادرة على أن تكون نموذجاً في ربط النزاهة بالتنمية، لكن هذا الطموح لن يتحقق إلا إذا جعلنا المواطن في صلب الإصلاح، لأن النزاهة ليست شعاراً إدارياً بل حقاً من حقوقه الأساسية”.

وهكذا خرجت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي للنزاهة عن نمط الخطب البروتوكولية، لتتحول إلى منصة تشخيص جماعي وصرخة إصلاح مسؤولة، جمعت بين الرؤية التحليلية للمنظمة الدولية والمنظور النقدي الوطني للمغرب، في لحظة نادرة عبّر فيها الجانبان عن قناعة واحدة أن النزاهة العمومية ليست خيارا ثانويا بل الشرط الأول لبناء التنمية العادلة والمواطنة المسؤولة.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة