أعادت احتجاجات “جيل زد” التي فاجأت الوسط السياسي المغربي في الفترة الأخيرة، حالة “الانقسام” التي كانت بدأت تظهر على مكونات الأغلبية الحكومية منذ العام الماضي قبل أن يتم إيقافها ببيان جماعي للتأكيد على تشبت الأغلبية بالانسجام، حيث ظهرت في الأيام الأخيرة حالة “الانقسام” بشكل واضح من خلال تصريحات وزراء الحكومة.
وحسب مهتمين بالشأن السياسي في المغرب، فقد سُجل لجوء الأصالة والمعاصرة والاستقلال، إلى النأي بنفسيهما عن مسؤولية الحكومة في موجة الغضب التي تجتاح الشارع المغربي، مُحمّلين “الفشل الحكومي” بطريقة أقرب إلى المباشرة، على عاتق الحزب الأول، حزب التجمع الوطني للأحرار، وأمينه العام عزيز أخنوش الذي يترأس الحكومة.
وقد بدا لافتا خلال هذه الخرجات التي كان يُقصد بها محاولة تهدئة الاحتقان في الشارع المغربي، أن الوزراء المنتمين إلى الحزبين الثاني والثالث في التحالف الحكومي ركزوا على إنجازات أحزابهم لا على حصيلة الحكومة، في خطوة فُهمت على أنها محاولة لتبرئة الذات من مسؤولية الفشل الحكومي أمام تصاعد غضب “جيل زد”.
الوزير المهدي بنسعيد، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير الشباب والثقافة والتواصل، اختار أن تكون أولى خرجاته الإعلامية عبر بودكاست “بصيغة أخرى” على “يوتيوب”، تحدث فيه مطولا عن مبادرات حزبه لفائدة الشباب، وتجنب في أغلب نقاشات الحوار الخوض في تفاصيل إنجازات الحكومة ككل، ما فُسر بأنه تنصل ضمني من مسؤولية الأداء الحكومي الجماعي.
أما نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، فقد ظهر في القناة الثانية أمس الأحد بصفته أمينا عاما لحزبه وليس كعضو في الحكومة، في خطوة أثارت استغراب المتابعين السياسيين، خاصة بعدما وجه خلال البرنامج انتقادات ضمنية لأداء الحكومة، قائلا إنه “مستعد لتقديم حصيلة وزارته ومساءلة أدائه”، في نبرة توحي بفصل نفسه عن باقي مكونات الأغلبية.
ولم يتوقف بركة عند هذا الحد، بل قال إن الحكومة “تتباهى بنفقات ضخمة على التعليم والصحة وصندوق المقاصة، لكن أين هي نتائج هذه الملايير في حياة المواطنين؟”، مشيرا إلى أن “غياب الإرادة السياسية” هو السبب في فقدان الشباب الثقة في الحكومة، في ما اعتُبر رسالة سياسية موجهة نحو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الائتلاف.
هذه المواقف، كشفت، حسب تصريحات العديد من المتتبعين، عن تصدعات كامنة داخل الأغلبية الحكومية، تعود جذورها إلى الشهور الماضية، حيث بدأت بوادر التباعد بين مكونات التحالف تطفو على السطح، خصوصا مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية المقررة سنة 2026، وقد زادت احتجاجات “جيل زد” من تفاقمها.
وكانت الأحزاب السياسية المؤلفة للحكومة، وخاصة حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، قد بدأت منذ العام الماضي في إعادة توجيه خطابها السياسي نحو القواعد الشعبية، في محاولة لاستعادة الثقة وكسب التأييد، حتى وإن كان ذلك على حساب انسجامها الحكومي، وهو ما كان قد ظهر بوضوح في خرجاتهما.
وكان الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال، اختار في بلاغ صدر عن مكتبه السياسي في يناير الماضي، الإشادة بوزيرته فاطمة الزهراء المنصوري، المنسقة الوطنية للحزب، ووزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان، معتبرا أن إنجازاتها في قطاع السكنى والتعمير تُعد من أبرز النجاحات الحكومية، في محاولة لتثبيت صورة الحزب كفاعل فعال داخل التحالف.
لكن البلاغ ذاته تضمّن ما يشبه الدعوة لحزب الاستقلال لبذل مجهود أكبر في قطاع الماء الذي يشرف عليه نزار بركة، إذ دعا “البام” الحكومة إلى تقييم مدى تنفيذ خارطة الطريق الملكية المتعلقة بندرة المياه، في ما بدا أنه توجيه مبطن للنقد إلى حليف مباشر في الحكومة.
وإذا كان هذا الانقسامات وتبادل الاتهامات بين مكونات الأغلبية قد ظهرت قبل احتجاجات “جيل زد”، بحافز قرب الانتخابات التشريعية، فإن عودة ظهورها اليوم، فرضتها التطورات في الشارع المغربي، حيث يسعى كل من حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، النأي بنفسيهما عن “الفشل الحكومي”، في محاولة لتخفيف الانتقادات من الشارع، وفي الوقت نفسه، ترميم صورتهما قبل انطلاق الانتخابات التشريعية.
وبشكل عام، يرى العديد من المهتمين بالوضع السياسي في البلاد، أن الحكومة الحالية تعيش آخر أنفاسها، مع احتمالية أن تفقد الكثير من رصيدها السياسي خلال الانتخابات التشريعية المرتقب في 2026. هذا إذا لم تتطور الأمور إلى إسقاط الحكومة قبل الآوان وفق تعبير الكثيرين.



