أسدل الستار مساء أمس السبت على الدورة الـ22 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، متوجا فيلم “سماء بلا أرض” للتونسية أريج السحيري بعد تسعة أيام من عروض الأفلام ولقاءات مع صناعها، وسط أجواء جدلية لم تغب عن التظاهرة.
الجدل الفني ومشاهد الجرأة
الجدل كان حاضرا بقوة هذه الدورة، خصوصا بسبب ما اعتبره كثيرون “جرأة مجانية” في عدد من الأعمال، سواء ضمن المسابقة الرسمية أو خارجها، إذ تركز النقد بشكل خاص على الأفلام المغربية، التي لاحقها الجمهور المحلي والإعلام العربي بسبب المشاهد الحميمية والجريئة، التي وصفها البعض بالمباشرة والمتجاوزة حدود الإيحاءات.
ويعد أحد أبرز الأمثلة على ذلك فيلم “خلف أشجار النخيل”، الذي أثار انتقادات واسعة بسبب التركيز المكثف على العلاقات خارج إطار الزواج، إذ قدمت المخرجة هذه العلاقات عبر لقطات متتابعة تصور تفاصيلها بلا مواربة، ما يجعل الجانب الحميمي مركزيا في البناء البصري للفيلم، على حساب عناصر سردية أخرى قد تكون ضرورية لفهم الشخصيات وتطور الحبكة.
بنفس المنطق، تعرض فيلم “زنقة مالاقا” لمريم التوزاني لانتقادات مماثلة، إذ اعتبرت مشاهد العري والعلاقات الحميمة بين الشخصيتين الرئيسيتين من قبل بعض المتفرجين والمراقبين “جريئة بشكل مفرط”، كما لو أن هدفها إثارة الجدل أكثر من خدمة الحبكة أو تقديم رؤية فنية متكاملة.
تكرار قوالب الإثارة
وأصبحت المشاهد الحميمية في مهرجان مراكش محور اهتمام، لدرجة أن بعضها قد يُنظر إليه على أنه أداة لجذب الانتباه أكثر من كونه خيارا فنيا متعمقا، إذ بحسب بعض الآراء، هذا التركيز على الجسد قد يضعف بناء الشخصيات ويجعل الرسائل الاجتماعية أو الإنسانية للفيلم أقل وضوحا، كما يخلق انطباعا بأن القيمة الفنية مرتبطة بالجرأة، وليس بالإبداع السينمائي أو القدرة على سرد قصة متكاملة.
ويعاب على المهرجان بكونه غالبا ما يتبنى أعمالا تختبر الحدود المسموح بها، سواء في الحبكة أو الصور البصرية، فهذه الممارسة قد تؤدي إلى تكرار قوالب الإثارة نفسها، وإبعاد بعض صانعي الأفلام الشباب الذين يسعون لتقديم تجارب مبتكرة بعيدا عن الجدل الحسي.
والنقاش حول هذا النوع من المشاهد ليس جديدا في مهرجان مراكش، ففي الدورة الماضية، كان التركيز على أعمال تتناول المثلية، غير أنه هذه السنة تحول التركيز إلى قصص حب تغرق في تفاصيل حميمية واضحة، مما يثير النقاش في الأوساط حول مدى جدوى هذه الجرأة في نقل الرسائل الفنية الحقيقية، ويشير البعض إلى أن السينما بهذا الشكل تصبح أكثر إثارة للجدل من كونها وسيلة للتعبير الفني المتوازن.
تغييب التمثيل الثقافي واللغة الأمازيغية
إلى جانب الجدل الفني، أثار التمثيل الثقافي قضية أخرى في هذه الدورة، إذ استمر تغييب اللغة الأمازيغية والفنانين الأمازيغ عن التظاهرة، سواء في دعوات المشاركة أو تمثيلهم في الأفلام المعروضة، على الرغم من جهود السنوات الأخيرة لتعزيز حضور الأمازيغية في المشهد السينمائي المغربي، إذ إن هذا التغييب يعكس بحسب آراء، محدودية الانتباه إلى التنوع الثقافي واللغوي في السينما المغربية.
وأظهرت دورة هذه السنة من مهرجان مراكش أنها لم تكن مجرد منصة للعرض السينمائي، بل ساحة نقاش حول حدود الحرية الفنية، مسؤولية المخرج تجاه المشاهد، وتمثيل الهوية الثقافية.
بريق خافت مقارنة بالسنوات الماضية
وعلى الرغم من تنوع الأفلام والمشاركات الدولية، لاحظ العديد من المتابعين أن بريق الدورة الـ22 كان أخفت مقارنة بالسنوات السابقة، إذ بدا الاهتمام الجماهيري أقل كثافة، بينما كانت الدورات السابقة تشهد تفاعلا أكبر على مستوى الجمهور المحلي والدولي.
وأصبح التركيز في منصات التواصل الاجتماعي، أكبر على الإطلالات وأشكال الفنانين وزلات تصريحاتهم، بينما حظيت الأفلام نفسها باهتمام أقل، ما يشير إلى تحول النقاش العام من الأعمال السينمائية إلى جوانب بعيدة عنها.
ويرى بعض المراقبين أن هذا الانشغال بالمظاهر والتفاصيل الثانوية قد يقلل من القيمة الفنية للمهرجان، ويحوله إلى منصة أكثر للجدل، بدل أن يكون مساحة حقيقية للتفاعل مع السينما والفكر الفني.
وتضمنت الدورة توزيع عدة جوائز، حيث توج فيلم “سماء بلا أرض” بالنجمة الذهبية، بينما حصلت جوائز لجنة التحكيم على فيلمي “ذاكرة” و”بابا والقذافي”، إلى جانب منح جوائز أفضل إخراج وأداء تمثيلي لمشاركين في النسخة الحالية.
وترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية المخرج الكوري الجنوبي بونغ جون هو، بمشاركة أعضاء من خلفيات سينمائية مختلفة، للإشراف على تقييم الأفلام المتنافسة على النجمة الذهبية.
وشملت برمجة الدورة الثانية والعشرين لمهرجان مراكش الدولي للفيلم مشاركة 82 فيلما من 31 دولة، بينها 14 فيلما في المسابقة الرسمية التي شهدت حضورا مغربيا بفيلم “خلف أشجار النخيل” لمريم بن مبارك، إلى جانب أعمال تتناول قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية من تايوان ونيجيريا وجنوب إفريقيا وأستراليا وغيرها.
وافتتحت الدورة بفيلم “سلك الرجل الميت” للمخرج الأمريكي غوس فان سانت، وهو عمل ينتمي إلى الكوميديا السوداء حول الإعلام والرأسمالية، من بطولة آل باتشينو وبيل سكارسغارد، إلى جانب عرض فيلم “زنقة مالقة” للمخرجة مريم التوزاني، الذي يتناول قصة امرأة من الجالية الإسبانية في طنجة.
واختارت إدارة المهرجان تكريم هذه السنة حسين فهمي، وجودي فوستر، وراوية، وغييرمو ديل تورو، إذ خصص لكل منهم عرض لمجموعة من أبرز أعماله في قصر المؤتمرات، وسينما كوليزي، ومتحف إيف سان لوران بمراكش.



