بعد أن حسم مجلس الأمن حل ملف الصحراء في مبادرة الحكم الذاتي المغربي.. كيف يمكن التفاوض على إنهاء 50 سنة من تغذية الجزائر للانفصال؟

adminمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
بعد أن حسم مجلس الأمن حل ملف الصحراء في مبادرة الحكم الذاتي المغربي.. كيف يمكن التفاوض على إنهاء 50 سنة من تغذية الجزائر للانفصال؟


لم يسبق لمجلس الأمن، في تاريخ مناقشته لملف الصحراء، أن صوت لصالح قرار يتبنى بوضوح خيار إيجاد حل في إطار السيادة المغربية، بالشكل نفسه الذي حدث مع القرار رقم 2797 لسنة 2025، وهو ما يمثل منعطفا حاسما في مسار هذه القضية التي عمرت لخمسين عاما، لدرجة أن القوى الكبرى، التي كانت تقليديا تتبنى موقف “الحياد” للحفاظ على مصالحها مع المغرب والجزائر في آن واحد، لم تعد ترى أي جدوى في استمرار هذا الوضع لمدة أطول.

وقرر المغرب، سنة 2007، بمبادرة من الملك محمد السادس، إلقاء حجر في المياه الراكدة، عندما طرح مبادرة الحكم الذاتي، التي وجدت لنفسها موقعا إيجابيا في قرارات مجلس الأمن طيلة السنوات التالية، إلا أن الحسم في اختيارها كإطار واقعي وحيد للمفاوضات، تطلب عملا دبلوماسية طويلا، ارتبطت فيه المصالح الاقتصادية بالخطوات السياسية، وهو ما ما جعل تأثير المبادرة يكبر مثل كرة الثلج، مُنطلقا من بعض دول إفريقيا والخليج، ليصل إلى عواصم الدول الكبرى.

قرار مجلس الأمن الجديد، أتى بعد أكثر من 18 عاما من محاولات الأمم المتحدة، عبر الأمين والعام ومبعوثيه الشخصيين إلى الصحراء، البحث عن خيارات أخرى قد تتسم هي الأخرى بالواقعية من طرف جبهة “البولساريو” وخلفها الجزائر، لكن، مع الاستمرار في تكرار أسطوانة “استفتاء تقرير المصير”، الذي حسم المبعوث الأسبق بيتر فان فالسوم سنة 2008 بأنها “غير واقعية”، جعلت من مقترح الحكم الذاتي الوحيد القابل ليكون منطلقا لمفاوضات ينتج عنها حل سياسي.

المقترح، وُضع على طاولة الأمم المتحدة كـ”مشروع” للتفاوض على أساسه، والرباط، التي ظلت تشدد على أنه أقصى ما يمكنها تقديمه في هذا الملف، تركت الباب مُشرعا للنقاش حول أي شيء يستثني الأمور السيادية، أي سيادة الملك والعلم والعملة والجيش والسياسة الخارجية، بينما يمكن الوصول إلى صيغ مُرضية للجميع بخصوص النظام التشريعي والقضائي والمجال الاقتصادي والثروات الطبيعية… لكنها أيضا لم تنتظر الرد من “الشرق” حتى تشرع في حشد الدعم الدولي للمقترح.

وخلال هذه المدة، بدأ يتضح للعديد من الدول الفاعلة بشكل مباشر في الملف، أن المقترح الأكثر واقعية وجدية، والذي يمكن تطبيقه على أرض الواقع، هو “الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”، وبعبارات مختلفة، أبدت بلدان مثل إسبانيا وألمانيا والمملكة المتحدة، تُجاهر بدعمها لهذا التوجه، في حين ذهبت أخرى أبعد من ذلك، حين عززت هذا الدعم بإعلان الاعتراف الفعلي بالسيادة المغربية على الصحراء، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ولم تنتظر الضوء الأخضر من الأمم المتحدة.

لكن الوصول إلى محطة إقرار مجلس الأمن بواقعية الطرح المغربي، والدفع نحو التفاوض على أساسه، ودعوة الأمين العام نفسه للمُضي في هذا الاتجاه، يمثل تحولا جذريا في قضية الصحراء، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضا القانوني، فالحكم الذاتي لم يُبعد خيار الاستفتاء عن طاولة النقاش فقط، بل أصبح أيضا الخيار الموضوع على الطاولة الأممية باعتباره المسار الواقعي الذي سيُؤدي إلى التنزيل الفعلي لمبدأ “تقرير المصير” في الصحراء.

والحكم الذاتي يجعل من طي ملف النزاع حول الصحراء أمرا ممكنا، بعدما كان أقرب إلى المستحيل، فالأمر يتعلق بخيار يتمتع بالواقعية السياسية، إذ يمنح الصحراويين سلطات واسعة على نحو ثلث مساحة المغرب، وفي الوقت نفسه يُبقي على سيادة المملكة، وهو خيار قابل للتنفيذ الفعلي من خلال إحداث مؤسسات محلية وجهوية ذات صلاحيات واسعة في المجال السياسي والثقافي، وكذا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، مع ربط المقاربة الحقوقية لفائدة سكان المنطقة، بخلق فرص واسعة للتنمية المستدامة والعيش في سلام.

ومع ذلك، فإن ما حدث ليس سوى الخطوة الأولى على درب التنزيل الفعلي للمقترح المغربي، فالمطلوب أولا هو قبول جميع الأطراف بالجلوس إلى طاولة التفاوض، وخصوصا الجزائر، المعنية بدعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش الماضي، للوصول إلى حل “يحفظ ماء وجه الجميع، لا غالب فيه ولا مغلوب”، وهو ما يفتح الباب لمناقشة إطار تنزيل المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية المشتركة، وربما التأسيس الفعلي لمستقبل الاتحاد المغاربي.

التفاوض سيكون أيضا حول تقاسم الصلاحيات ما بين الدولة المركزية وجهات الصحراء، فإذا كانت الأولى تحتفظ لنفسها برموز السياسية والشأن الدفاعي والشؤون الخارجية، فإن حدود المجالات الأخرى سيكون مُتاحا للأخذ والرد حتى ننتهي إلى “حُكم ذاتي حقيقي”، وهو ما سيشمل النظام القضائي، والمجال المالي والمداخيل الضريبية والاستفادة من الثروات المحلية التي يتيحها باطن الأرض ومياه الأطلسي وسماء الصحراء، إلى جانب النقاش الثقافي في ظل الاعتراف بوجود هوية صحراوية ذات مكونات تراثية ولغوية خاصة.

هذا المسار التفاوضي الذي سترعاه الأمم المتحدة وتدعمه واشنطن، قد يتطلب من المغرب أيضا توفير ضمانات دستورية، بما يشمل إدخال تعديلات على الوثيقة الحالية، كما يستدعي المرور، بالموازاة مع ذلك، إلى التخلص العفعال من إرث الماضي، عبر مصالحة مجتمعية واسعة، تضمن مشاركة جميع أبناء الصحراء، سواء القاطنين داخل حواضرها أو القادمين من مخيمات تندوف، وهو مسار لا بد منه لإنهاء الجمود الحالي ومحاولة تدارك الزمن التنموي المهدر وطنيا وإقليميا.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة