بوعلام صنصال.. الكاتب السبعيني الذي تنطفئ حياته تدريجيا في سجون الجزائر لأنه تطرق إلى تاريخ لا يُحب النظام سماعه

admin21 يوليو 2025آخر تحديث :
بوعلام صنصال.. الكاتب السبعيني الذي تنطفئ حياته تدريجيا في سجون الجزائر لأنه تطرق إلى تاريخ لا يُحب النظام سماعه


حينما حل الكاتب الجزائري – الفرنسي بوعلام صنصال، ضيفا على منصفة Frontières الفرنسية، في برنامج حواري مصور نُشر بتاريخ 2 أكتوبر 2024، لم يكن يعلم أن من بين كل كلامه خلال الحلقة التي امتدت لأزيد من ساعة من الزمن، سيقوده إلى السجن وهو في عقده الثامن، هي تلك التصريحات المرتبطة بجزء من التاريخ الاستعماري الفرنسي في شمال إفريقيا، الذي غيّر خريطة المنطقة بشكل لا زالت تبعاته مستمرة إلى الآن.

ما قاله بوعلام صنصال، المزداد ببلدية “ثنية الحد” الأمازيغية التابعة لولاية “تيسمسيلت” شبه المنسية في شمال الجزائر، ليس جديدا، فقد تحدث عن أجزاء واسعة من أراضي الغرب الجزائري حاليا، كانت في الأصل تابعة للمغرب، لكنها تعرضت للاقتطاع من طرف الاستعمار الفرنسي، وعليه فإن بلاده “تحتفظ بأراضٍ لا تخصها”، متحدثا أيضا عن قضية الصحراء، في ظل إعلان فرنسا دعم السيادة المغربية عليها، حيث اعتبر أن تلك الأقاليم “كانت دائما جزءا من المملكة”.

بالنسبة للسلطات الجزائرية، التي تُصور المغرب وكأنه سبب كل مشاكلها، فترديد مثل هذا الكلام، الذي ينسف سرديتها التاريخية الرسمية، من طرف أحد مواطنيها يمثل “كبيرة من الكبائر”، فكيف إذا كان هذا الشخص، هو بوعلام صنصال، الكاتب الفرنكفوني المعروف ذائع الصيت على المستوى الدولي، والذي حصل على الجائزة الكبرى للرواية من الأكاديمية الفرنسية سنة 2015، وجائزة السلام من اتحاد الناشرين الألمان سنة 2011، على جوائز أخرى مرموقة.

لذلك، فإن السلطات الجزائرية، وفي غمرة أزمتها الدبلوماسية مع فرنسا بعد رسالة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش، المُعلنة عن دعم باريس لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل أوحد لقضية الصحراء، لم تُمهل صنصال كثيرا، فبمجرد وصوله إلى مطار هواري بومدين في العاصمة بتاريخ 16 نونبر 2024، جرى اعتقاله وإيداعه السجن.

الجزائر في البداية اختارت الصمت لأيام أمام هذا الوضع الذي لفت إليه أنظار العالم، رغم أن صحيفة “لوموند” الفرنسية كشفت سريعا أن للأمر علاقة بتصريحاته، قبل أن يبرز أول مؤشر تمهيدي لما هو قادم، حين نشرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية مقالا بعنوان “صنصال.. اللوبي الحاقد على الجزائر”، واتهمته بـ”إنكار الأمّة الجزائرية”، في إشارة إلى ما قاله خلال المقابل الصحفية، حين أورد أن المغرب دولة بتاريخ إمبراطوري ممتد لـ12 قرنا، في حين أن الجزائر “تفتقر للهوية وللتاريخ”.

وفي أواخر دجنبر من سنة 2024، وخلال خطابه أمام مجلسي البرلمان، أبان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن رغبة انتقامية تجاه صنصال، حين وصفه بأنه “لص” وبأنه شخص “مجهول الأب”، إلى جانب التلميح إلى كونه مُحرَّضا من طرف فرنسا التي يحمل جنسيتها، وفي الخطاب نفسه أكد أن سبب غضب سلطات بلاده يعود إلى ما قاله الكاتب عن تاريخ المغرب، موردا أنه “مجهول الهوية يقول إن نصف الجزائر كانت تابعة للدولة الفلانية”، على حد تعبيره.

في خضم كل ذلك، كان صنصال يُصارع مصيرا مجهولا في أقبية السجون، وهو البالغ من العمر 75 عاما، والمصاب بداء السرطان، وفي الوقت نفسه، يواجه تهما ثقيلة تشمل “المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني”، بالإضافة إلى “التشكيك في استقلال وتاريخ وسيادة وحدود الجزائر، وإنكار وجود الأمة الجزائرية” إلى جانب “التخابر مع فرنسا” بسبب علاقته المفترضة مع سفيرها على الأراضي الجزائرية.

هذا الوضع دفع قصر “الإليزي” إلى التعبير رسميا عن قلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مصير صنصال، في حين صرح وزير الخارجية جون مانويل بارو قائلا اعتقاله “غير مبرر وغير مقبول”، وتابع وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية “لا شيء في أنشطة بوعلام صنصال يعطي صدقية للاتهامات التي أدت إلى سجنه” في الجزائر.

أما الاتحاد الأوروبي، فقد دعا إلى إطلاق سراحه على لسان جوسيب بوريل، المفوض السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الذي قال في خطاب موجه إلى البرلمان الأوروبي إن “ظروف اعتقال واحتجاز الكاتب البارز بوعلام صنصال تثير العديد من التساؤلات والمخاوف”، وأضاف “إذا كانت هذه التهمة تستند فقط إلى آراء عبر عنها علنا، فإن ذلك سيشكل هجوما واضحًا على حرية التعبير”.

أما النيابة العامة الجزائرية فكان لها رأي آخر، إذ بالرغم من أن الحالة الصحية لصنصال ساءت داخل السجن إلى حد الاضطرار لنقله إلى المستشفى، فإن وكيل الجمهورية الجزائرية لدى محكمة الجنح بالدار البيضاء في العاصمة، دعا، في مارس 2025، إلى إنزال “أقصى العقوبات” في حقه استنادا إلى منشورات وفيديوهات جرى حجزها عند اعتقاله، وطالب بسجنه 10 سنوات نافذة.

طلب الإدانة استجابت له المحكمة، لتحكم على الرجل المتقدم في السن بـ 5 سنوات نافذة، وبغرامة قدرها نصف مليون دينار جزائري، لتعود النيابة العامة في مرحلة الاستئناف للمطالبة بتشديد العقوبة ومضاعفتها، في مواجهة دعوات محاميه الفرنسي فرانسوا زيمراي، هذا الأخير الذي حُرم من حضور المحاكمة بسبب الامتناع عن تسليمه التأشيرة، ليقرر التوجه إلى الأمم المتحدة بسبب ما وصفه “استحالة إجراء محاكمة عادلة” لموكله الذي قال عنه إنه أصبح محتجزا بشكل غير قانوني، إلا أن الحكم الاستئنافي في نهاية يونيو الماضي، ترك الحال على ما هو عليه.

آخر محطات مسار “الانتقام” من صنصال، كانت إعلان رئاسة الجمهورية عن توقيع تبون عفوا رئاسيا “على المقاس” بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيدَي الاستقلال والشباب، حيث بدت عبارات مثل استثناء المتورطين في “الاعتداءات والمؤامرات ضد سلطة الدولة وسلامة ووحدة أرض الوطن والخيانة والتجسس”، أو “نشر وترويج أخبار أو أنباء تمس بالنظام والأمن وجرائم التمييز وخطاب الكراهية”، كأنها تستهدف صنصال رأسا، الذي ظل في السجن بالفعل رغم الدعوات الدولية المتكررة لإطلاق سراحه.

هذا الوضع دفع صنصال إلى اتخاذ قرار احتجاجي خلال يوليوز الجاري، كان بمثابة إعلان صريح عن اليأس التام من إنصافه عبر المنظومة القضائية الجزائرية، وهو عدم اللجوء إلى الطعن في الحكم الاستئنافي أمام محكمة النقض، وبالتالي فسح المجال أمامه ليصبح حكما نهائيا، وفق نويل لونوار، الوزيرة الفرنسية السابقة ورئيسة لجنة الدعم الدولي لصنصال، ليترك بذلك الكرة في ملعب الهيئات الحقوقية الدولية الرسمية وغير الرسمية، التي تابعت كيف كُتم صوته بالقوة لأنه عبر عن رأيه، وتُتابع الآن كيف أن حياته أيضا صارت تنطفئ تدريجيا للسبب نفسه.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة