بينما يتجه مجلس الأمن الدولي نحو مناقشة مشروع القرار الأمريكي الجديد بشأن قضية الصحراء على بعد أيام قليلة، اختارت جبهة البوليساريو أن تعيد إحياء خطابها التقليدي عبر إصدار بيان من نيويورك أعلنت فيه تقديم “مبادرة حسن نية” إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
البيان الصادر باسم من تصفه الجبهة بممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة، تحدث عن مبادرة تهدف إلى تحميل جميع الأطراف المعنية بالنزاع مسؤولية متقاسمة في إنهاء الصراع بما يضمن تقرير مصير “الصحراويين”، كما ذكّر بالمقترح الذي قدمته الجبهة سنة 2007، والذي أحاط مجلس الأمن علما به بموجب القرار رقم 1754 والقرارات اللاحقة، باعتباره مشروعاًط يهدف إلى تمكين “الصحراويين” من ممارسة حقهم في تقرير المصير عبر الاستفتاء.
وأورد البيان أن الجبهة عبّرت عن استعداد ما تسميه “الدولة الصحراوية” للتفاوض مع المملكة المغربية بهدف إقامة علاقات استراتيجية تقوم على المنفعة المتبادلة، مضيفاً أن زعيمها إبراهيم غالي وجّه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تحدث فيها عن استعداد الجبهة لتقاسم “فاتورة السلام” مع الطرف الآخر، شريطة توفر الإرادة السياسية للتوصل إلى حل عادل بحسب وصف البيان.
وفي هذا السياق، قال البشير الدخيل، القيادي السابق في جبهة البوليساريو ورئيس معهد منتدى البدائل للدراسات الصحراوية – الأندلس، في تصريح خصّ به “الصحيفة”، إن بيان الجبهة متدنٍّ من حيث الصياغة والكتابة، إذ طغت عليه الإحالات المتكررة إلى اسم إبراهيم غالي، دون أن يقدم أي مضمون جديد أو مبادرة حقيقية.
وأضاف الدخيل أن ما يسمى بـ”مبادرة تقاسم فاتورة السلام” لا تعدو كونها بياناً جزائريّ النَفَس، مشدداً على أن الخطاب لم يصدر باسم الصحراويين ولا باسم البوليساريو نفسها، التي فقدت موقعها وشرعيتها بعد نصف قرن من الانشقاقات والتراجع وحصر الملف في تندوف، مشيرا إلى أن العديد من القوى الدولية، بما فيها فرنسا وإسبانيا، لم تعد تضع الجبهة في حساباتها كفاعل مؤثر في النزاع.
واعتبر الدخيل أن البوليساريو تبكي اليوم على كراسيها في الحمادة، في وقت يؤكد فيه المجتمع الدولي على أولوية الحل الواقعي، وهو ما يتجسد في مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب سنة 2007، ويستند إليه اليوم مشروع القرار الأمريكي الجديد الموزّع على أعضاء مجلس الأمن، والذي يصف المبادرة المغربية بأنها الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية.
وأوضح القيادي السابق في البوليساريو، أن أكثر من نصف الساكنة الصحراوية توجد داخل الأقاليم الجنوبية، في مدن العيون والسمارة والداخلة، وهي فئة تمارس حياتها السياسية بشكل طبيعي وتشارك في الانتخابات المحلية والوطنية من خلال برلمانيين ورؤساء جماعات منتخبين ديمقراطيا ، متسائلا: “ما موقعنا إذن في هذه المعادلة؟ أليس هؤلاء من يمثلون فعلا الصحراويين؟”.
وأشار الدخيل في تصريحه لـ”الصحيفة” إلى أن قيادات البوليساريو لا تزال أسيرة فكر السبعينيات والثمانينيات، وتخضع لإمرة النظام الجزائري الذي يوظف الجبهة كورقة تفاوضية لا أكثر، مضيفا أن البيان الأخير لم يحمل أي مؤشرات على رغبة حقيقية في التغيير أو في فتح مسار جديد للحل.
وأكد المتحدث لـ”الصحيفة ” أن الجزائر إن كانت تتحدث باسم جزء من الصحراويين في مخيمات تندوف، فإن المغرب يحتضن داخل أقاليمه الجنوبية أكثر من 70 في المائة من الصحراويين الذين يمارسون حياتهم بحرية ويعبّرون عن اختياراتهم السياسية في ظل مؤسسات وطنية منفتحة، معتبرا أن هذا الواقع وحده يكشف من يمثل فعلا الصحراويين ومن يتحدث باسمهم.
وختم الدخيل تصريحه بالتأكيد على أن الطرف الحقيقي في هذا الصراع هي الجزائر، وهو ما أشار إليه أيضا مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في حديثه لقناة “سي بي إس نيوز” ، حين تحدث عن وساطة مرتقبة بين المغرب والجزائر خلال ستين يوما، في أفق التوصل إلى اتفاق شامل يضع حدا لهذا النزاع الذي عمر طويلا .



