زنقة 20 | خالد أربعي
في قاعات المحاكم وعلى مكاتب متواضعة، يخوض آلاف المحامين المغاربة الشباب خصوصا ، معركة صامتة، بشكل يومي ليست دفاعًا عن موكليهم هذه المرة، بل عن مهنتهم نفسها.
في السنوات الأخيرة، أصبحت مهنة المحاماة في المغرب تعاني أزمة متعددة الأوجه: اقتصادية، اجتماعية، وتنظيمية، دفعت بالكثيرين إلى التفكير في مغادرتها أو تغيير المسار.
بحسب معطيات غير رسمية صادرة عن هيئات المحامين، فإن نسبة مهمة من المحامين الجدد يغادرون المهنة خلال أول 5 إلى 10 سنوات، بسبب صعوبة الاستقرار المالي، وغياب آفاق واضحة للتطور المهني.
ويؤكد عدد من المحامين الشباب الذين التقتهم الجريدة أن “المهنة أصبحت غير قابلة للعيش”، وأن التضحيات الجسيمة التي بذلوها في سنوات الدراسة والتكوين لم تُترجم إلى وضع اجتماعي مستقر أو دخل كريم.
و يقول أحد المحامين الشبان للجريدة :”بعد خمس سنوات من الممارسة، ما زلت أجد صعوبة في تأمين مصاريف مكتبي. إن لم يكن لديك علاقات أو رأس مال أولي قوي، فأنت على الهامش.”
تكاليف تتصاعد… ومداخيل تتآكل
تتحدث تقارير مهنية عن ارتفاع تكاليف الممارسة بشكل مهول: من كراء المكاتب في المدن الكبرى، إلى تكاليف النقل، الضرائب، المساهمة في صندوق التقاعد، والاشتراكات الإجبارية. ومع تراجع ثقة المواطنين في فعالية المنظومة القضائية، وتزايد اللجوء إلى “الوساطات غير الرسمية”، تقلص الطلب على الخدمات القانونية.
في المقابل، تراجعت أتعاب المحامين بشكل كبير، حيث أن الكثير من الملفات تُدار بأجور رمزية لا تغطي حتى مصاريفها. ويشير بعض المهنيين إلى أن “السوق القانونية مشبعة وغير منظمة”، ما أدى إلى منافسة غير نزيهة، و”تكسير الأسعار” بين الزملاء.
الذكاء الاصطناعي يلوح في الأفق
كغيرها من دول العالم، بدأت التحولات التكنولوجية تطرق أبواب العدالة بالمغرب. برامج توليد العقود، ومواقع تقديم الاستشارات القانونية منخفضة التكلفة، وحتى أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، أصبحت تسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام المحامين التقليديين.
محامي شاب من الرباط تحدث لموقع Rue20 ، مفضلا عدم ذكر إسمه : “العديد من الزبائن اليوم يدخلون إليك بعد أن استشاروا الإنترنت. أصبحنا نُقارن بآلة، أو بجواب سريع على الهاتف. الناس لم تعد ترى في المحامي تلك القيمة المضافة.”
نموذج مهني يحتاج إلى مراجعة
أمام هذا الواقع، يدعو كثير من المهنيين إلى إصلاح عميق وشامل لمنظومة المهنة، يشمل إعادة هيكلة سوق المحاماة وضبط الولوج إليها ، و تحفيز الرقمنة المهنية وتبني التكنولوجيا بدل مقاومتها ، و تطوير نظام الحماية الاجتماعية والتقاعد للمحامين ، و فرض حد أدنى محترم لأتعاب الملفات.



