أثار تبني مجلس الأمن الدولي قرارا جديدا يدعم التفاوض على أساس مبادرة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء تفاعلات واسعة داخل الأوساط الإعلامية والسياسية في إسبانيا، حيث أعادت عدة صحف بارزة فتح النقاش القديم حول مستقبل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وما إذا كان نجاح الرباط في طيّ ملف الصحراء سيشجعها على التركيز مستقبلا على استعادة المدينتين.
ونشرت صحيفة “إلكونفيدينسيال” تقريرا بعنوان “بعد الصحراء، هل الدور على سبتة؟ دعم الأمم المتحدة سيشجع الرباط على مطالبها تجاه إسبانيا”، معتبرة أن تصويت مجلس الأمن لصالح المقترح المغربي يمثل تحوّلا استراتيجيا في المنطقة، من شأنه أن يعزز الموقف الدبلوماسي للمغرب في قضايا السيادة.
ونشرت صحيفة “الإسبانيول” التي عقدت مؤخرا منتدى في مدينة سبتة المحتلة، ناقش مستقبل المدينة في ظل الضغوط التي يمارسها المغرب، (نشرت) تقريرا بعنوان: “والآن، المغرب سيتجه نحو سبتة ومليلية”، محذّرة مما وصفته بـ”مرحلة جديدة من الضغط المغربي لاستعادة المدينتين”.
وتساءلت صحيفة “لارثون” في تقرير لها عقب قرار مجلس الأمن الدولي، عن “ماذا ستفعل الأمم المتحدة إذا غزا المغرب سبتة ومليلية؟”، في إشارة إلى مخاوف من أن يؤدي الاعتراف الدولي المتزايد بمقترح الحكم الذاتي إلى إعادة رسم موازين القوة في غرب البحر الأبيض المتوسط.
ويأتي هذا الجدل الإعلامي في سياق تاريخي يتكرر كلما حقق المغرب اختراقا دبلوماسيا في قضية الصحراء، إذ عبّرت على مرّ السنوات أطراف سياسية وإعلامية إسبانية عن تخوفها من أن يؤدي حسم النزاع الإقليمي في الجنوب لصالح الرباط إلى تركيز الجهود لاحقا على استرجاع سبتة ومليلية، اللتين يعتبرهما المغرب أراضيَ مغربية خاضعة لاحتلال إسباني منذ القرن الخامس عشر.
ويرى مهتمون بالقضايا الخلافية بين الرباط ومدريد أن عودة النقاش حول سبتة ومليلية تكشف مجددا عن الحساسية التاريخية في العلاقات بين البلدين، حيث ينظر كثير من الإسبان إلى المدينتين باعتبارهما جزءا من السيادة الوطنية، في حين يؤكد المغرب أنهما أراضٍ محتلة يجب أن تعود يوما إلى الوطن الأم، مشيرين إلى أن الرباط تعتمد في ذلك على “منهج تدريجي” يفضّل الحوار والدبلوماسية على المواجهة.
ويُتوقع أن تلجأ العديد من الأحزاب السياسية الإسبانية اليمينية، إلى استغلال القرار الجديد لمجلس الأمن في قضية الصحراء، من أجل رفع منسوب العداء تُجاه المغرب، وتفسير كل خطوة لها ارتباط بالمدينتين، على أنها استعداد من الرباط لبدء الضغوطات لاسترجاع المدينتين.
على المستوى الرسمي، فإن الحكومة الإسبانية، أكدت في الأيام الأخيرة، أن العلاقات الثنائية مع المغرب “تمر بأحد أفضل فتراتها في التاريخ”، رغم وجود بعض “الخلافات” الطبيعية بين البلدين، رافضة في الوقت ذاته الاتهامات التي يوجهها حزب “فوكس” اليميني المتطرف بشأن ما يسميه “تهديدا مغربيا” للأمن القومي الإسباني.
وقال مدير ديوان رئاسة الحكومة، دييغو روبيو، يوم الخميس الماضي حسب ما نقلته “أوروبا بريس” خلال جلسة لجنة الأمن القومي المشتركة في البرلمان، إن العلاقة بين مدريد والرباط قائمة على التعاون الوثيق في مجالات استراتيجية متعددة، مشيرا إلى أن “الخلافات الموجودة لا ترقى إلى مستوى النزاعات”، وأنها “تشبه تلك التي قد تظهر مع دول الجوار الأوروبي مثل فرنسا أو البرتغال”.
ووفق “أوروبا بريس”، فإن تصريحات المسؤول الحكومي جاءت ردا على سؤال طرحه النائب عن حزب “فوكس”، إغناسيو خيل لازارو، الذي ادعى أن المغرب “يمارس استراتيجيات هجينة لزعزعة الاستقرار” عبر ملف الهجرة غير النظامية، في الوقت الذي يعمل على “تحديث قواته المسلحة”، وطالب الحكومة بتوضيح موقفها مما إذا كانت تعتبر المغرب “تهديدا عسكريا” لإسبانيا.
وردا على هذه المزاعم، انتقد روبيو ما وصفه بـ”هوس حزب فوكس بمحاولة اختلاق صراع سري بين الرباط ومدريد، قائم على الجواسيس ونظريات المؤامرة”، مشيرا إلى أن “مثل هذا الصراع لا وجود له”، وأن المغرب “جار وصديق وشريك استراتيجي لإسبانيا”.
وأضاف روبيو أن “العلاقات الإسبانية المغربية اليوم تقوم على أسس من التعاون الوثيق في قضايا حيوية”، مبرزا مجالات التعاون في “الهجرة الدائرية، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة التهريب، والتصدي لشبكات الاتجار بالبشر”، إلى جانب العلاقات التجارية المتنامية بين البلدين.



