قرّرت مجموعة “أكديطال” سحب مشروعها المتعلق بإحداث مراكز للتشخيص والقرب، الذي كانت تعمل على تنزيله عبر أحد فروعها، وذلك بعد أسابيع من الجدل المهني حول نطاق تدخل القطاع الخاص في مجالات تعد من المهام السيادية للدولة ضمن المنظومة الصحية.
وتشير معطيات حصلت عليها جريدة “مدار 21” إلى أن الملف كان معروضاً على مجلس المنافسة، قبل أن تختار المجموعة التراجع عنه.
وجاء قرار السحب في سياق ردود فعل واسعة داخل الجسم الطبي، إذ عبّرت هيئات ونقابات مهنية عن مخاوف من أن يؤدي إحداث هذه المراكز إلى الإخلال بتوازن المنظومة الصحية، عبر استقطاب المرضى القادرين على الأداء، وجذب الأطر الصحية من المستشفيات العمومية والعيادات المستقلة، بما قد يضعف القطاع العمومي ويدفع نحو “منظومة علاج بسرعتين”.
كما حذّر مهنيون من أن توجيه المرضى عبر مسارات خاصة في مرحلة التشخيص الأولي قد يؤثر على استقلالية القرار الطبي وعلى الدور التنظيمي للدولة في مجال الرعاية الأساسية.
وأوضحت مصادر مهنية أن جزءاً مهماً من التحفّظات يرتبط بطبيعة الخدمات التي كان المشروع يستهدفها، كونها تدخل في مرحلة حساسة من مسار المريض، عادةً تحت إشراف الرعاية العمومية أو أطباء الطب العام في إطار ممارسة الدولة لمسؤولياتها التنظيمية. واعتُبر دخول فاعل خاص إلى هذا المجال توسعاً يتجاوز الدور التكميلي المفترض للقطاع الخاص.
في المقابل، تؤكد مصادر أخرى أن هذا التطور لم يكن مفاجئاً داخل دوائر القرار الصحي، بل يمثل ثمرة مسار مؤسساتي هادئ امتد لأشهر، شاركت فيه وزارة الصحة من موقعها التنظيمي. وشدد هذا المسار على ضرورة احترام القانون، وحماية استقلالية المهنة، ومنع أي وضعيات احتكار أو تركّز مفرط داخل سوق الصحة.
وتم خلال هذه المشاورات التوافق على ثلاث قواعد أساسية: الحفاظ على توازن المنظومة ومنع استقطاب الأطر والمرضى من المستشفى العمومي، حماية المجالات التي تعتبرها الدولة رعاية سيادية مثل خدمات القرب والطب الأولي، وضبط العلاقة بين القطاعين العام والخاص على أساس التكامل لا التنافس.
ويُنظر إلى تراجع أكديطال عن المشروع كخطوة تعيد النقاش إلى مساره الطبيعي، وتؤكد أن حماية المرفق العام ومنع الهيمنة وضمان توازن القطاع تبقى ركائز أساسية في مسار إصلاح المنظومة الصحية.
ويرى عدد من المتابعين أن هذا التطور يعكس الحاجة إلى صياغة نموذج شراكة جديدة يسمح للقطاع الخاص بالمساهمة في تحسين العرض الصحي دون المساس بالأدوار الجوهرية للدولة أو التأثير على حقوق المرضى في الولوج العادل إلى العلاج.
وكانت التنسيقية النقابية للأطباء العامين في القطاع الخاص، إلى جانب الائتلاف الوطني لأطباء القطاع الحر، رفعت مذكرة اعتراض مفصلة إلى رئيس مجلس المنافسة بخصوص مشروع التركيز الاقتصادي المتعلق بالاستحواذ المشترك على شركة “Rochaktalim SA”، وهو المشروع الذي يجمع صناديق استثمار أجنبية مع مجموعة أكديطال، أكبر فاعل في سوق الصحة الخاص بالمغرب.
وأوضحت الهيئتان المهنيتان، في المراسلة، أن المشروع يُنذر بخلق وضعية تركّز غير مسبوقة تجمع بين خدمات التشخيص البيولوجي والتصوير الطبي والبنيات الصحية القريبة والاستشفاء تحت سيطرة فاعل واحد. معتبرة أن هذا التمركز يمثل “خطراً مباشراً” على الأمن الصحي، ومبادئ المنافسة، واستقلالية ممارسة مهنة الطب.
كما تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن المجموعة عبرت عن طموحها في التواجد بالمناطق النائية، عبر إنشاء مراكز للتشخيص بهدف تقريب خدمات الوقاية والكشف من سكان تلك المناطق. وقد صُممت هذه المراكز لتحقيق مداخيل مباشرة وغير مباشرة، إذ من المنتظر أن تُغذي النشاط الاستشفائي بتحويل المرضى نحو مصحات المجموعة للتدخلات الأكثر تعقيداً.
ومن المتوقع كذلك أن تكون ربحيتها مماثلة لربحية المصحات، رغم أن وتيرة نمو نشاطها ستكون تدريجية، إذ تخطط إدارة “أكديطال” لإحداث 200 مركز من هذا النوع بحلول 2030، باستثمار متوسط قدره 5 ملايين درهم لكل مركز.



