تصويت البرلمان الفرنسي على إلغاء اتفاق الهجرة مع الجزائر.. خطوة تُمهد لـ”خسارة” جزائرية أخرى بسبب ملف الصحراء المغربية

adminمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
تصويت البرلمان الفرنسي على إلغاء اتفاق الهجرة مع الجزائر.. خطوة تُمهد لـ”خسارة” جزائرية أخرى بسبب ملف الصحراء المغربية


في خطوة وُصفت بأنها تاريخية ومحمّلة بدلالات سياسية قوية، صوّت البرلمان الفرنسي مؤخرا على قرار يدعو إلى إلغاء اتفاق 1968 المنظم لهجرة الجزائريين إلى فرنسا، وهو الاتفاق الذي منح منذ أكثر من نصف قرن امتيازات خاصة للمواطنين الجزائريين في الإقامة والعمل والتنقل داخل الأراضي الفرنسية.

 وجاء هذا التصويت، بفارق صوت واحد فقط، إذ أُقرّ بـ185 صوتا مقابل 184، بناء على مقترح من حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، وبمساندة من أحزاب يمينية أخرى كـ”الجمهوريون” و”آفاق”، رغم معارضة الحكومة والأغلبية الرئاسية.

القرار إلى حدود اللحظة لا يُلغي الاتفاق فعليا مع الجزائر، إذ أصبحت “الكرة في ملعب” الحكومة التي يُفترض أن تتخذ قرارا بناء على نتيجة التصويت، لكنه بالرغم من ذلك، -تشير عدد من الصحف الفرنسية- إلى أنه  يحمل رمزية سياسية كبيرة تُعبّر عن تغيّر في المزاج العام داخل فرنسا تجاه الجزائر، ويمهد لضغوط سياسية لاحقة قد تُفضي إلى إنهاء الاتفاق رسميا.

وأفادت بعض التقارير الإعلامية الفرنسية إلى أن خلفيات هذا التصويت، والتوتر بشكل عام بين باريس والجزائر، لا تنفصل عن التحول الفرنسي في ملف الصحراء المغربية، حيث مثّل إعلان باريس دعمها لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب سنة 2007 لحل النزاع، نقطة تحول في العلاقات الثنائية مع الجزائر، التي لم تتردد في الرد بغضب دبلوماسي، أعقبته تصريحات حادة واتهامات متبادلة حول ملفات الهجرة والطاقة والذاكرة التاريخية.

يشكل تصويت البرلمان الفرنسي ضد اتفاق الهجرة لعام 1968 إحدى أكثر الخطوات دلالة على وجود أزمة غير مسبوقة بين البلدين، حيث  أن الاتفاق، الذي يُعد امتدادا لاتفاقيات إيفيان التي أنهت حرب الاستقلال الجزائرية سنة 1962، كان – ولايزال حتى الآن- يمثل رمزا لـ”العلاقة الخاصة” التي حاولت باريس الحفاظ عليها مع الجزائر رغم تعاقب الأزمات.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدا كبيرا في التوترات، خصوصا منذ إعلان فرنسا دعمها الصريح للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء، وهي الخطوة التي اعتبرتها الجزائر “انحيازا” لطرف النزاع، وبالتالي شهدت العلاقات الثنائية منذ ذلك الحين، تدهورا في الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين، وأُلغيت زيارات رسمية كانت مقررة، من ضمنها زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس.

كما جاء التصويت في سياق سياسي فرنسي داخلي يشهد ضغطًا متزايدا من أحزاب اليمين التي توظف ورقة الهجرة والعلاقات مع الجزائر في خطابها السياسي، وهو ما قد يدفع إلى مزيد من الغضب تُجاه المستعمرة السابقة، وبالتالي فقدان الجزائر الكثير من حضورها السياسي في فرنسا وأوروبا عموما.

لا يُعدّ التصويت الفرنسي ضد اتفاقية تخدم مصالح الجزائر حدثا معزولا، بل يأتي امتدادا لمسار بدأت ملامحه تظهر منذ سنة 2022، حين أعلنت إسبانيا دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي كالحل “الأكثر جدية وواقعية”، وهو الموقف الذي كان قد أثار غضب الجزائر، التي سارعت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع مدريد، وأوقفت معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين.

وكانت النتيجة، وفق ما رصدته العديد من التقارير الإعلامية الدولية، خسائر اقتصادية كبيرة للجزائر، إذ جُمّدت المبادلات التجارية مع إسبانيا، وتراجعت صادرات الغاز الجزائري عبر أنبوب “ميدغاز” نحو أوروبا، مما أثر على موارد الجزائر بالعملة الصعبة، بالرغم من أن الصحافة الجزائرية حاولت إخفاء تلك الخسائر والحديث فقط عن خسائر إسبانيا الاقتصادية جراء القطيعة.

ومع انتقال الأزمة إلى باريس، يبدو أن الجزائر تتجه نحو خسارة دبلوماسية جديدة، قد تكون لها كلفة كبيرة بالنسبة لمئات الآلاف من الجزائريين الذين يحضون بامتيازات متعددة جراء اتفاق الهجرة الموقع في ستينيات القرن الماضي، وهذا كله بسبب التعنت الجزائري في ملف الصحراء المغربية.

هذا التسلسل من الأزمات يبرز بوضوح كيف أن سياسة الجزائر الخارجية المتمحورة حول معاداة المغرب ورفض الحل السياسي الواقعي، تحولت إلى عبء ثقيل يُكبّدها خسائر سياسية واقتصادية متزايدة، تنضاف إلى الخسائر التي تراكمها منذ بدء مشكل الصحراء.

منذ اندلاع النزاع حول الصحراء قبل أكثر من خمسين سنة، أنفقت الجزائر مليارات الدولارات في دعم جبهة البوليساريو، سواء عبر تمويلها المباشر، أو بتوفير السلاح والمعدات اللوجستية، أو عبر تأمين طائرات خاصة لنقل قادة الجبهة إلى المحافل الدولية.

واعتبرت العديد من التقارير الدولية، ومن ضمنها تقارير لوسائل إعلام مملوكة لمعارضين جزائريين، أن هذا الإنفاق العسكري والدبلوماسي الضخم تم – ولازال- على حساب التنمية الداخلية في الجزائر، وأدى إلى إنهاك خزينة الدولة الجزائرية في فترات الأزمات الاقتصادية.

ومع مرور الوقت، يبدو أن تكلفة هذا الدعم أصبحت أكبر من أي مكسب سياسي محتمل، خاصة مع تراجع التأييد الدولي لأطروحة “الاستقلال” التي تروج لها البوليساريو بدعم جزائري، مقابل توالي مواقف دول كبرى — مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا— المؤيدة للحكم الذاتي المغربي.

وأشارت مؤخرا دراسة تحليلية نشرتها منصة “Eurasia review” المتخصصة في الأخبار والتحليل، حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للجزائر، أن هوس الأخيرة بقضية الصحراء المغربية يمثل أحد أبرز العوائق أمام قدرتها على لعب دور فاعل في المنطقة، بالإضافة إلى ما تستنزفه هذه القضية من مواردها بشكل كبير.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة