تعاون استخباراتي مغربي إسباني فرنسي أمريكي يقود إلى إسقاط قاطرة “سكاي وايت” في عرض المحيط الأطلسي محملة بـ 3 أطنان من الكوكايين قادمة من أمريكا الجنوبية

admin14 أغسطس 2025آخر تحديث :
تعاون استخباراتي مغربي إسباني فرنسي أمريكي يقود إلى إسقاط قاطرة “سكاي وايت” في عرض المحيط الأطلسي محملة بـ 3 أطنان من الكوكايين قادمة من أمريكا الجنوبية


نجح تعاون استخباراتي وجمركي واسع النطاق شارك فيه المغرب إلى جانب شركاء أوروبيين وأطلسيين في إسقاط واحدة من أكبر شحنات الكوكايين التي كانت في طريقها إلى أوروبا عبر ما يعرف بـ”الطريق الأطلسي”، بعدما تمكنت الأطقم المشاركة، يوم الجمعة الماضي من اعتراض السفينة القاطرة المسماة “سكاي وايت” في المياه الدولية غرب جزر الكناري، وهي محملة بحوالي ثلاثة أطنان من الكوكايين المعبأ بعناية في 80 رزمة مخبأة بإحكام داخل هيكل السفينة التي كانت تبحر تحت علم الكاميرون، قبل أن يتم اقتيادها وسط حراسة مشددة إلى ميناء تينيريفي الإسباني، حيث جرى تفريغ الشحنة ونقلها إلى مخازن محكمة التأمين، فيما وضع طاقم السفينة رهن الاعتقال الاحتياطي.

العملية، التي وُصفت من طرف وسائل إعلام إسبانية بأنها “ضربة موجعة لشبكات التهريب عبر الأطلسي”، جاءت ثمرة تعاون معقد بين جهاز المراقبة الجمركية التابع لوكالة الضرائب الإسبانية والحرس المدني الإسباني من جهة، والأجهزة الأمنية والجمركية المغربية من جهة أخرى، إضافة إلى فرنسا، الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، والبرتغال.

وقد جرى تنسيق هذا التدخل تحت إشراف مركز الاستخبارات لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (CITCO) والمركز التحليلي لمكافحة تهريب المخدرات في المحيط الأطلسي (MAOC-N)، وهي منصات دولية متخصصة في ملاحقة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

وبحسب المعطيات الرسمية، فإن التحقيق حول “سكاي وايت” بدأ منذ صيف 2024، حين رصدت أجهزة الاستخبارات تحركات مريبة للسفينة في مسارات بحرية معروفة باستعمالها من طرف شبكات تهريب الكوكايين القادمة من أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي في اتجاه أوروبا. وتبين من خلال عمليات التتبع والمراقبة أن السفينة تستعمل كسفينة “أم”، أي وحدة إمداد كبيرة تنقل الشحنات من عرض المحيط إلى سفن أصغر حجمًا، غالبًا ما تكون “لانشات سريعة” أو قوارب صيد، يتم تسليمها بالقرب من جزر الكناري أو على مشارف السواحل الإيبيرية لتفادي الرقابة البحرية المباشرة.

وقد نفذت عملية الاعتراض في عرض البحر من على متن سفينة تابعة للبحرية الإسبانية، بمشاركة عناصر النخبة من الوحدة الخاصة للتدخل التابعة للحرس المدني، الذين صعدوا إلى متن القاطرة في ظروف جوية صعبة، ليجدوا أن السفينة، التي يبلغ طولها 22 مترا فقط، في حالة تقنية متدهورة تشكل خطرا على سلامة الطاقم ورغم ذلك، كان المهربون قد أخفوا شحنتهم بعناية فائقة داخل هيكل القاطرة، مستغلين الفراغات الداخلية وتدعيمها بمواد عازلة لإخفاء رائحة المخدرات وتفادي اكتشافها بواسطة أجهزة الرصد.

الطاقم الموقوف يتألف من خمسة أشخاص، أربعة منهم من بنغلاديش وواحد من فنزويلا، وقد وُجهت لهم تهم الانتماء إلى شبكة إجرامية دولية متخصصة في تهريب المخدرات عبر المحيط الأطلسي. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن هذه الشبكة لها امتدادات في موانئ أمريكية جنوبية، وأنها قد تكون ضالعة في عمليات تهريب سابقة اعتمدت موانئ إفريقية كنقاط انطلاق نحو أوروبا، من بينها ميناء الداخلة الذي صار على رادار الأجهزة الدولية بسبب موقعه الاستراتيجي على واجهة الأطلسي.

وتربط هذه العملية أيضًا بتحقيقات أوسع تقودها مديرية البحث والاستخبارات الجمركية الفرنسية بالتعاون مع السلطات المغربية، وتستهدف شبكات منظمة تنشط في شحن كميات ضخمة من الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا عبر مسارات بحرية طويلة تتطلب خبرة لوجستية عالية، وهو ما يفسر لجوء هذه الشبكات إلى قاطرات وسفن صيد شبه مهجورة يصعب تعقبها.

وتؤكد السلطات الإسبانية أن نجاح هذه العملية يعكس مستوى غير مسبوق من التنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية في الوقت الفعلي بين المغرب وشركائه الدوليين، وهو تنسيق لم يعد يقتصر على التتبع والمراقبة، بل يشمل عمليات بحرية مشتركة وتخطيطًا عملياتيًا يتيح اعتراض الشحنات قبل اقترابها من المياه الإقليمية الأوروبية. كما أشار المسؤولون الأمنيون إلى أن التهديد المتزايد لما يسمى بـ”الطريق الأطلسي” يفرض على الأجهزة المعنية تطوير أساليبها باستمرار، خاصة مع لجوء شبكات التهريب إلى وسائل تمويه أكثر تعقيدًا، مثل تغيير أعلام السفن أو إعادة طلاء الهياكل لإخفاء هويتها الحقيقية.

وتأتي هذه العملية في سياق أوسع من النجاحات التي حققها المغرب مؤخرا في حربه على تهريب المخدرات، إذ تشير المعطيات الرسمية إلى إحباط عشرات المحاولات وضبط كميات قياسية من المخدرات الصلبة، إلى جانب اعتقال مئات المشتبه في تورطهم، بمن فيهم عناصر أجنبية، في قضايا تهريب عابرة للحدود ويعتبر المحللون أن هذه النجاحات، إلى جانب انخراط المغرب النشط في شبكات التعاون الدولي، عززت صورته كشريك موثوق في مواجهة الجريمة المنظمة، خاصة في ظل التهديدات التي يشكلها الاتجار الدولي بالمخدرات على الأمن الإقليمي والعالمي.

وبهذا، تكون عملية “سكاي وايت” قد وجهت ضربة قوية لشبكات التهريب عبر الأطلسي، وأظهرت بوضوح أن التنسيق بين الرباط وشركائها يمكن أن يقطع أوصال شبكات إجرامية اعتادت الإفلات من الرقابة كما أرسلت رسالة مفادها أن الطريق الأطلسي لم يعد ساحة مفتوحة أمام المهربين، وأن الرقابة البحرية والاستخباراتية باتت أكثر إحكاما وقدرة على الاستباق، وهو ما قد يدفع هذه الشبكات إلى إعادة النظر في مساراتها وأساليب عملها خلال الفترة المقبلة.

من جهة ثانية، تطرح عملية “سكاي وايت” أسئلة جوهرية حول موازين القوة في المعركة المستمرة بين الأجهزة الأمنية وشبكات التهريب عبر المحيط الأطلسي فنجاح العملية لم يقتصر على اعتراض شحنة ضخمة من الكوكايين، بل أظهر أن هذه الشبكات لم تعد قادرة على العمل بنفس هامش الأمان الذي كانت تستفيد منه سابقا، خصوصا مع تطور منظومات الرصد البحري والجوي والاستخباراتي فالتعاون متعدد الأطراف، الذي جمع المغرب وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرتغال، جسّد تحالفا عملياتيا متكاملا قاد إلى تبادل فوري للمعلومات وتحريك وحدات التدخل في توقيت مثالي، ما حرم المهربين من أي فرصة لتغيير مسار السفينة أو التخلص من الشحنة قبل وصول القوات.

وهذا التحول في طبيعة المواجهة يفرض على شبكات التهريب إعادة النظر في مساراتها البحرية، ويحدّ من قدرتها على الاعتماد على “الطريق الأطلسي” كنقطة عبور آمنة إلى أوروبا كما أنه يعزز نفوذ الأجهزة الأمنية في هذا المسار البحري الحيوي، ويبعث برسالة ردع قوية إلى أي تنظيمات إجرامية تفكر في استغلاله.

 وبالنسبة للمغرب، فإن حضوره كلاعب مركزي في هذه العمليات يعزز موقعه كقوة إقليمية ضامنة للأمن البحري، ويمنحه أوراق قوة إضافية في تعاونه الأمني والدبلوماسي مع شركائه الأوروبيين والأطلسيين، وهو ما قد يترجم مستقبلًا إلى نفوذ أكبر في صياغة سياسات مكافحة الجريمة المنظمة على المستوى الإقليمي والدولي.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة