أقدم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الخميس 28 غشت، على إنهاء مهام الوزير الأول نذير العرباوي بعد سنتين من تعيينه، ليكلف وزير الصناعة سيفي غريب بتسيير المنصب بالنيابة، في خطوة تحمل ملامح التعديل الشكلي داخل جهاز تنفيذي محدود الصلاحية، بينما تتركز مفاتيح القرار الاستراتيجي في يد رئيس الجمهورية نفسه، الذي يستند بدوره إلى قوة أوسع وأعمق نفوذا، هي المؤسسة العسكرية.
هذا التعيين الجديد، الذي يأتي بعد “غياب” لعبد المجيد تبون عن المشهد السياسي بالبلاد دام لأيام، وفي أعقاب فاجعة واد الحراش التي ذهب ضحيتها ثمانية عشر جزائري إثر انقلاب حافلة من أعلى قنطرة وما أعقبها من قرارات وتدابير، يُعيد إلى الواجهة النقاش حول طبيعة النظام السياسي الجزائري، حيث يبقى منصب الوزير الأول، مقيدا بسلطة الرئاسة، ومحصورا في حدود تسيير الشؤون اليومية للحكومة، دون أن يمتلك قدرة مستقلة على صياغة توجهات كبرى أو فرض اختيارات سياسية.
العرباوي الذي لم يُكمل سوى عامين في منصبه، يُعد ثالث رئيس حكومة يقرر الرئيس تبون الاستغناء عنه منذ وصوله إلى الحكم أواخر 2019، بعد عبد العزيز جراد (2020 – 2021) وأيمن بن عبد الرحمن (2021 – 2023)، هذا التواتر في تغيير رؤساء الحكومات يعكس محدودية الدور الذي يُسند إليهم دستوريا وعمليا، في ظل نظام سياسي يجعل من الرئيس مركز السلطة التنفيذية الفعلية.
سيفي غريب، الذي عُهد إليه بتسيير المرحلة بصفته وزيرا أول بالنيابة، هو شخصية تقنية بالأساس، إذ يحمل دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية للمواد من جامعة باجي مختار بعنابة، وشغل سابقا مناصب إدارية وصناعية عليا، منها إدارة مجمعات “سيدار” و”إيميتال”،غير أن تجربته السياسية تظل محدودة جدا.
ورغم أن الدستور الجزائري يمنح الوزير الأول صلاحيات واسعة على الورق، من تنسيق أعمال الحكومة وتوقيع المراسيم التنفيذية إلى الإشراف على المرافق العمومية والتعيينات في بعض المناصب المدنية، إلا أن هذه السلطات تظل في الممارسة العملية مرتبطة مباشرة برئيس الجمهورية، الذي يملك صلاحية التعيين والإقالة ويحتفظ بالقرار النهائي في الملفات الاستراتيجية.
هذا التناقض بين النص الدستوري والواقع السياسي يجعل من منصب الوزير الأول بالجزائر أقرب إلى “واجهة شكلية”، حيث يتمحور دوره حول تنفيذ تعليمات الرئاسة وتسيير الشؤون اليومية للحكومة، أكثر مما يعكس قيادة سياسية مستقلة، وهو ما يفسر في نظر كثيرين سرعة دوران رؤساء الحكومات في عهد تبون، باعتبار أن بقاءهم في المنصب مشروط بمدى انسجامهم مع توجهات الرئاسة لا بمدى نجاحهم في تنفيذ برامج أو سياسات طويلة الأمد.
لكن قراءة أعمق للمشهد السياسي الجزائري تظهر أن السلطة لا تقتصر على ثنائية الرئيس ـ الحكومة، بل تمتد إلى مؤسسة أوسع وأكثر رسوخا، وهي الجيش، فمنذ استقلال الجارة الشرقية، ظل الجيش لاعبا مركزيا في رسم ملامح الحياة السياسية، سواء عبر التأثير المباشر أو من خلال ضبط توازنات السلطة.
وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن منصب الوزير الأول بالجزائر لا يمثل سوى حلقة ثانوية في هرم القرار، إذ تظل الملفات الاستراتيجية الكبرى، من السياسة الخارجية إلى الاقتصاد الطاقي والأمن الداخلي، رهينة بمستوى التنسيق بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية المتحكمة الحاضرة بقوة في المشهد السياسي بالجزائر .



