“جيل Z” الذي يمثل ثلث سُكان المغرب.. ما الذي دفعه للخروج للشارع من أجل الاحتجاج ورفع مطالبه؟

admin29 سبتمبر 2025آخر تحديث :
“جيل Z” الذي يمثل ثلث سُكان المغرب.. ما الذي دفعه للخروج للشارع من أجل الاحتجاج ورفع مطالبه؟


اجتاحت شوارع مدن مغربية عدة موجة احتجاجات شبابية غير مسبوقة، قادها أبناء “جيل Z” الذين وُلدوا مع بداية الألفية، وتفتح وعيهم على ثورة الإنترنت والشبكات الاجتماعية أكثر مما تفتح على الساحات العامة أو الفضاءات الحزبية، هاتفين بشعارات تبدو بسيطة في ظاهرها وهي الحق في الصحة، الحق في التعليم، الحق في الشغل، ومحاربة الفساد والغلاء، لكن خلف هذه الشعارات تختبئ سردية أعقد بكثير، وتكشف أزمة ثقة عميقة بين جيل جديد وحكومة رفعت شعار “الدولة الاجتماعية”، وجعلته حجر الزاوية في برنامجها، قبل أن يتحول إلى عنوان للمفارقة بين الوعد والواقع.

وجيل Z المغربي ليس جيلا هامشيا في البنية الديموغرافية، بل يمثل أكثر من ثلث السكان، أي ما يقارب 12 مليون مواطن ومواطنة، يعيش أغلبهم في المدن ويستهلكون يوميا محتوى رقميا متدفقا يجعلهم على دراية بتجارب مجتمعات أخرى، فهم أبناء عصر المقارنات السريعة ويقيسون جودة مدارسهم بمثيلاتها في أوروبا، ويقارنون كلفة عيشهم بأجورهم الضئيلة، ويكتشفون في لحظة أن الحكومة عاجزة عن توفير سرير نظيف في مستشفى عمومي أو أستاذ قار في مدرسة ابتدائية.

أبرز ما غذّى الاحتجاجات الأخيرة كان مأساة أكادير، ففي غضون أسبوع واحد، فارقت ثماني نساء الحياة بعد عمليات قيصرية في مستشفى الحسن الثاني، وهو ما فجّر غضبا شعبيا عبر عن نفسه في اعتصامات صامتة أضيئت فيها الشموع ورفعت فيها لافتات تصف الوضع بـ “الموت المجاني” وهذه الصور القادمة من وسط المملكة سرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم عبر “تيك توك” و”إنستغرام”، لتتحول من حدث محلي إلى رمز وطني لانهيار المنظومة الصحية، فيما تقارير المجلس الأعلى للحسابات سبقت أن رصدت عجزا يتجاوز 30 ألف طبيب و65 ألف ممرض، وحذرت من أعطاب هيكلية في التدبير، لكن هذه التحذيرات لم تُترجم إلى إصلاح جذري وبالنسبة لجيل Z، كان هذا الدليل القاطع على أن حياة المواطن ليست أولوية في سياسات الحكومة.

في موازاة ذلك، تكشف الأرقام الاقتصادية صورة قاتمة فنسبة البطالة وسط الشباب الحاملين للشهادات العليا بلغت 35.8%، وهو رقم مرعب في بلد يفاخر بكونه بوابة للاستثمار والتقارير الدولية، من البنك الدولي إلى صندوق النقد، تشير إلى أن المغرب يعاني من هشاشة في خلق فرص الشغل بينما يواجه تصاعدا في تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأساسية بنسب تراوحت بين 20% و40% في المقابل، لم تواكب الأجور هذه القفزات، ما جعل القدرة الشرائية تنهار، خصوصا في المدن الكبرى حيث الإيجارات والأسعار تلتهم أجورا بالكاد تغطي نصف الشهر.

في عين هذه العاصفة، ينظر الشباب إلى الحكومة الحالية بقيادة رجل الأعمال عزيز أخنوش باعتبارها مسؤولة مباشرة عن اختلال الأولويات فالإنفاق العمومي يتجه نحو مشاريع الملاعب والبنية المرتبطة بمونديال 2030، بينما تظل المدارس العمومية شبه مهجورة والمستشفيات في حالة يرثى لها.

بالنسبة لطلبة الجامعات، هذا يعني أنهم يدرسون لسنوات طويلة ليجدوا أنفسهم أمام أبواب مغلقة ،وبالنسبة للأسر، يعني أن معركتهم اليومية مع الفاتورة والدواء باتت بلا أفق. وهكذا يتجسد شعار “الدولة الاجتماعية” بالنسبة لجيل Z كعبارة جوفاء تُستخدم للتسويق السياسي أكثر مما تُترجم إلى سياسات ملموسة.

الجانب الآخر الذي يميز هذه الحركة هو طبيعة تنظيمها، فجيل Z لا يعترف بوساطات الأحزاب ولا النقابات ونسب المشاركة الانتخابية في صفوف الشباب لم تتجاوز 10% في آخر اقتراع، وهو ما يعكس أزمة ثقة حادة بدلا من ذلك، ينظمون أنفسهم عبر فضاءات رقمية عابرة للرقابة هي مجموعات على “ديسكورد” وحسابات على “تيك توك” ووسوم مثل “#جيل_Z” قادرة على حشد الآلاف في ساعات معدودة.

وهذا النمط من التعبئة اللامركزية أربك السلطات التي اعتادت على مواجهة حركات اجتماعية تقليدية يمكن احتواؤها بمفاوضات أو ضغوط، وعندما واجهت الاحتجاجات الأخيرة بإنزال أمني وتوقيفات واسعة، لم تؤدِّ إلا إلى تغذية زخمها، إذ تحولت صور الاعتقالات إلى مادة محفزة لمزيد من التضامن.

هذا الغضب لم يمر دون ردود سياسية، فسعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، كتب أن هذه الاحتجاجات تمثل إنذارا صريحا للحكومة لتغيير مسارها وخطابها التواصلي لكن في نظر المحتجين، هذه التصريحات لا تختلف عن غيرها وووعود جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الوعود التي لم تُترجم فالجيل الذي يقود هذه الاحتجاجات يرى أن مشكلته ليست في غياب التواصل، بل في غياب سياسات عمومية جادة تجعل من الصحة والتعليم والتشغيل أولويات حقيقية.

وفي هذا الإطار، يقول “أيوب” وهو اسم مستعار، لشاب في الثالثة والعشرين من عمره شارك في احتجاجات الرباط ومن أبرز الناشطين في حركة الجيل الجديد عبر “ديسكورد”: “لسنا معارضة سياسية ولا نبحث عن مواقع سلطة نحن ببساطة جيلٌ وُلد في زمن مختلف عن آبائنا نحن أبناء الإنترنت والهواتف الذكية نعرف كيف تعيش أجيالنا في بلدان أخرى ونعرف أن المدرسة ليست منّة بل حق وأن المستشفى ليس ترفا، بل ضرورة”. 

أيوب وفي حديثه لـ “الصحيفة” شدّد على أن المطالب التي يرفعها هو وأقرانه من المحتجين” اجتماعية محضة نرغب في تعليم يفتح الأفق بدل أن يُغلقه، صحة تحفظ كرامة الإنسان بدل أن تتركه يموت أمام أبواب المستشفيات، وفرص عمل تحمينا من البطالة والهشاشة”. 

وتابع المتحدث: “الجيل الذي سبقنا ربما كان يرضى بالوعود أو ينتظر مبادرات الأحزاب أما نحن فقد تغيّرنا ولا نثق في أحد ليتحدث باسمنا نبتكر طرقنا الخاصة للتنظيم والتعبير ونخرج إلى الشارع لأننا نؤمن أن صوتنا يجب أن يُسمع والدولة بالنسبة لنا ليست شعارات بل امتحان يومي في المدرسة وفي المستشفى وفي سوق الشغل وإذا فشلت في هذه الامتحانات، فإننا لن نصمت بعد الآن”.

المطالب التي يرفعها جيل Z ليست راديكالية في جوهرها، لكنها تمس صلب العقد الاجتماعي تعليم عمومي يوفر تكافؤ الفرص، منظومة صحية تحمي المواطن بدل أن تتركه رهينة للمصحات الخاصة، فرص عمل تليق بشهاداتهم، وأجور تكفي لتغطية كلفة الحياة إلى جانب ذلك، يطالبون بمحاربة الفساد والهدر وإعادة توجيه الموارد نحو ما يعتبرونه “المجالات ذات المعنى” في هتافاتهم، يربطون بين انهيار الخدمات والفساد المستشري، بين غلاء المعيشة والريع، بين المشاريع الكبرى وصور موت الأمهات في المستشفيات.

والسؤال الذي يطرحه المراقبون اليوم هو: هل هذه موجة عابرة أم بداية لمسار طويل؟ المؤشرات تميل إلى الاحتمال الثاني، فجيل Z اكتسب أدوات رقمية تمنحه مرونة في التنظيم ووعيا جماعيا يجعله عصيا على الاستيعاب، وغضبا مشروعا يتغذى من واقع يومي لا يحتاج إلى وسائط لتفسيره.

وفي خضم هذا الغليان الشعبي الذي انتشر في عدة مدن بالمغرب، بدا جليا أن استجابة الحكومة كانت شبه غائبة، فقد خرجت تصريحات حزبية وقصص تفاعل عاطفي كان أبرزها تصريحات لبعض قادة الأحزاب، لكن من جهة السلطة التنفيذية لم يصدر حتى الآن أي رد فعل رسمي يشرح موقفها أو يعترف بالأزمة. 

“الصحيفة” حاولت مرارا التواصل مع وزراء من الحكومة ومسؤولين في حزب التجمع الوطني للأحرار للحصول على تعليق أو توضيح لكن جهات عدة أبلغتنا أن الهواتف ظلت صامتة، والرسائل البريدية غير مجابة.

أحد النشطاء الذي يُفضّل أن يُعرف باسم مستعار، قال في حديث لنا “نحن نرى قلوب بعض السياسيين تذرف الدموع في التلفاز، لكن أفعالهم لا تتبعها كلمات مَن من الحكومة سأل عن حياة المرضى؟ من أرسل طبيبًا إلى المستشفى المتهالك؟ من فتح تحقيقا في الوفاة التي حدثت؟ كل ما نراه هو صمت رسمي، وأجهزتها الإعلامية تحاول التملص أو تجاهل الموضوع.” وهذا القول يعكس شعورا عاما بأن الحكومة تتهرب من المواجهة المباشرة مع الشباب المحتجّ، متجنِّبة الاحتكاك المباشر الذي قد يكشف هشاشتها في وجه مطالب اجتماعية واضحة سيما وأنها سنة انتخابات.

من جهة ثانية، ففي الساعات التي تلت المظاهرات، أعلن عدد من الفاعلين الحقوقيين والتنظيمات المدنية والسياسية المعارضة عن استيائهم من هذا الصمت، داعين الحكومة إلى فتح قنوات للحوار وتقديم مواقف واضحة بدل التخبّط في الصمت أو الردود الرمزية، وقد رأى حزب التقدم والاشتراكية في احتجاجات جيل Z “تنبيها للحكومة”، وحذّر من نهج “التعالي والغرور” الذي يبعد الإدارة عن واقعيّة معاناة الشباب. 

وهذا الفراغ الرسمي لا يُفسَّر دائما بعدم العلم أو التأخير، بل يُفهم ضمن استراتيجية تغيب فيها الحكومة عن الساحة في اللحظة السياسية الصعبة وتتلون في وراء الكواليس، تاركة الساحة الإعلامية والميدانية للنقاش المجتمعي، وربما تنتظر أن تهدأ العاصفة أو يتراجع الزخم قبل أن تتدخل، لكن النشطاء يرون أن هذا التهرب يضاعف الاحتقان، لأن عدم الرد يُقرأ كاعتراف ضمني بأن الحكومة ليست مجهزة للرد على الأسئلة الصعبة وليس لديها خطة واضحة.

ويرى الحسن الرميقي أستاذ العلوم السياسية والمحلل للشأن العام،”المقلق في هذه اللحظة ليس فقط خروج الآلاف من الشباب الغاضبين إلى الشارع وإنما أن الحكومة اختارت الصمت كخيار استراتيجي، وكأنها غير معنية بهذا الغليان. 

وأوضح الخبير في حديثه لـ “الصحيفة” أنه في علم السياسة، يُعتبر غياب الخطاب في الأزمات بمثابة اعتراف بالعجز لأنه يترك المجال مفتوحا للتأويلات ويعزز شعور الشارع بأن السلطة غير قادرة على مواجهة الحقيقة فيما واجب أي حكومة في دولة ديمقراطية هو أن تخرج أمام المواطنين فور اندلاع أزمة بهذا الحجم لتفسّر وتطمئن، وتلتزم بإجراءات ملموسة  لكن ما نراه اليوم هو صمت مطبق من أعلى هرم السلطة التنفيذية، وغياب أي مبادرة تواصلية أو حتى اعتراف بالأزمة وهذا ليس مجرد تقصير، بل خطأ سياسي جسيم”.

ويضيف الرميقي ضمن التصريح ذاته: “جيل Z ليس كالأجيال السابقة، هذا جيل نشأ في فضاء رقمي مفتوح لا يكتفي بالخطابات الجاهزة ولا يقتنع بالمناورات الحزبية تجاهله أو التعالي عليه لن يؤدي إلا إلى مضاعفة الغضب”.

وزاد الخبير، أنّ رئيس الحكومة كان مطالبا منذ اللحظة الأولى بالخروج إلى الرأي العام بخطاب مباشر واضح وشفاف، يقرّ بالمشكلات ويعرض خطة عاجلة لإصلاح الصحة والتعليم واحتواء الغلاء لكنه لم يفعل وترك الساحة فارغة فملأها الشارع وملأتها المنصات الرقمية، وملأها أيضا خصومه السياسيون الذين وجدوا في هذا الصمت فرصة لتقديم أنفسهم كبديل”.

ويشير الخبير إلى أنّ هذا السلوك ليس جديدا على التجربة السياسية المغربية موردا: “لقد رأينا في احتجاجات 2011 أن الملكية أدركت بسرعة خطورة الوضع فخرج خطاب 9 مارس الذي فتح باب الإصلاح الدستوري وامتص جزءا كبيرا من الغضب وفي حراك الريف 2016–2017، أدى تردد الدولة وتباطؤ الحكومة في تقديم خطاب واضح إلى انفجار الوضع وتحوّل المطالب الاجتماعية إلى أزمة سياسية كبرى فيما اليوم نكرر السيناريو نفسه مع اختلاف السياق هو جيل جديد أكثر وعيا وتنظيما، وحكومة تكرر الأخطاء ذاتها وكأنها لم تتعلم شيئا”.

وختم الرميقي تصريحه بالقول: “الأخطر في استمرار هذا الصمت هو أن الأزمة تتحول من احتجاج اجتماعي قابل للمعالجة إلى أزمة ثقة شاملة في المؤسسات وعندما يشعر الشباب أن الحكومة لا تراهم ولا تسمعهم، فإن العقد الاجتماعي بأكمله يصبح موضع تساؤل” مضيفا: ” نحن أمام لحظة فارقة إما أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتفتح حوارا حقيقيا مع الجيل الجديد، أو أن تترك الاحتقان يتفاقم حتى ينفجر في أشكال يصعب التحكم فيها والتاريخ السياسي للمغرب يثبت أن الصمت في مواجهة الشارع لم يكن يوما حلا، بل دائما كان وصفة لتضخيم الأزمات”.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة