وجه عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، انتقادات حادة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش لما اعتبره “انفصاما واضحا” بين الوعود الحكومية التي أغرت بها الناخبين خلال الحملة الانتخابية، والواقع الذي يواجهه المغاربة بعد سنوات من الولاية الحالية.
واعتبر شهيد أن الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة تغلب عليها لغة التجميل السياسي، وتفتقر إلى الأجوبة الحقيقية حول مكامن الخلل، فيما بدل أن تواجه التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيق ولوج المواطنين إلى العلاج، اكتفت بإعادة إنتاج خطاب الحماس الذي فقد بريقه منذ الجلسة السابقة، وفق توصيفه.
وأكد رئيس الفريق الاشتراكي أن الحديث عن الحق في الصحة لا يجب أن يكون مجرد شعار تتداوله الحكومات أو تتزين به في تقاريرها، بل هو حق أساسي لكل إنسان، لا يتحقق إلا من خلال ضمان الولوج العادل والمنصف لجميع المواطنين، وقطع دابر كل أشكال التمييز المجالي والاجتماعي في الحصول على الخدمات الصحية.
وشدد البرلماني الاتحادي على أن الحكومة لم توفِ بالتزاماتها الانتخابية، مذكرا بوعدها بتحويل المستشفيات الإقليمية إلى مؤسسات جذابة قادرة على تقديم خدمات ذات جودة، في حين أن ما يوجد على الأرض لا يختلف كثيرا عن “محطات طرقية”، لا تجهيزات فيها، ولا سكانيرات، ولا أطباء تخدير، ولا حتى حد أدنى من الكرامة العلاجية.
شهيد أوضح أن ما تم تقديمه من وعود بشأن تمكين الأطباء من أداء مهامهم في ظروف محفزة، وتعميم التكفل بالحالات الحرجة كالنساء الحوامل، ظل حبرا على ورق لأن الواقع يبرز أن القابلات وحدهن من يتحملن عبء هذا التكفل، في ظل غياب الموارد البشرية والتجهيزات الضرورية، أما الحديث عن البطاقة الذكية لتخفيض تكاليف التطبيب والاستشفاء والصيدليات، “فلا يزال متعثرا، رغم أنه كان من بين أبرز الوعود التي جعلت المواطنين يمنحون الثقة لهذه الحكومة”.
كما توقف شهيد عند غياب سيارات الإسعاف المجهزة، موضحا أن ما يوجد في الميدان لا يتجاوز “سيارات نقل، تفتقر لأبسط شروط الإغاثة”، وأضاف بنبرة ساخرة أن حارس الأمن الخاص هو الذي أصبح بمثابة العمود الفقري داخل المستشفيات، في ظل غياب الأطر الطبية وتهالك البنيات.
وفي قراءته للحصيلة، شدد شهيد على أن الحكومة لم تُحدث أي أثر ملموس لمفهومي العدالة الاجتماعية أو المجالية في القطاع الصحي، رغم أنها رفعت ميزانية الصحة بنسبة 60 في المائة، وهذه الزيادة، حسب تعبيره، لم تنعكس لا على تحسين الخدمات ولا على تجويد العرض، بل ظلت الفجوة بين الطموحات المعلنة والإمكانات المتوفرة قائمة، مذكرا بأن الفريق النيابي للاتحاد الاشتراكي قدم أكثر من 2500 سؤال كتابي و1300 تدخل، كلها كانت تنبه إلى مكامن الخلل، دون أن تجد أي استجابة فعلية من الحكومة.
وبنبرة استنكارية، اعتبر شهيد أن الحكومة أخفقت في تفعيل منظومة التأمين الصحي الشامل، ورغم المصادقة البرلمانية على النصوص التنظيمية ذات الصلة، لا يزال تنزيلها وتفعيلها معلقا، واعتبر أن التنسيق بين الوزارات شبه غائب، وأن السياسات الصحية تفتقر إلى أولويات واضحة، مما أدى إلى ارتفاع غير مبرر للإنفاق الصحي، وسط وصف علاجات بشكل عشوائي، وفوضى في تدبير الموارد.
كما أشار شهيد، إلى ما وصفه بـ”الأسعار الخيالية” للأدوية، حيث تصل هوامش الربح إلى 100 في المائة، في ظل غياب تدخل فعلي لتنظيم السوق وتخفيض الكلفة عن المواطن، الذي ما يزال يصرف من جيبه ما يقارب 50 في المائة من تكاليف العلاج، في غياب أي سياسة دعم فعالة. ووصف هذا الوضع بأنه مؤشر على فشل الحكومة في تحقيق الحد الأدنى من الكرامة الصحية.
ولم يفوت شهيد فرصة الإشارة إلى الخصاص الكبير في الموارد البشرية، مذكرا بأن المغرب يخسر سنويا أكثر من 600 طبيب يهاجرون للخارج، بسبب غياب التحفيز والفوارق الصارخة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يعيق أي محاولة للإصلاح الجاد، خاصة أن هذه الفوارق تفرغ القطاع العمومي من الكفاءات وتجعل المواطنين ضحايا نظام صحي مزدوج.
واعتبر أن ما تعيشه فئات واسعة من المغاربة من معاناة في الحصول على العلاج، خاصة مرضى السرطان الذين لا يتم التكفل بهم من الشهر الأول، أو المرضى النفسيين والعقليين الذين يجوبون الشوارع في غياب أي رعاية، هو شهادة دامغة على غياب الكرامة الصحية، ليس فقط للفئات الهشة، بل حتى للطبقة المتوسطة التي تعاني بدورها من كلفة العلاج وثقل الانتظار ورداءة الخدمات.
وختم شهيد مداخلته بالتأكيد على أن الحكومة، رغم ما قدمته من أرقام ومؤشرات، لم تنجح في طمأنة المواطنين حول مستقبل المنظومة الصحية، وأن العدالة الصحية التي طالما رفعتها شعارا، ظلت معلقة في هوة بين الوعود والواقع، بين ما يُقال وما يُنجز، بين الطموح المعلن والعجز البنيوي المستمر.



