حسم دستوري.. المحكمة تمنع نهائيا اللافتات والاعتصامات تحت قبّة البرلمان – الصحيفة

admin15 أغسطس 2025آخر تحديث :
حسم دستوري.. المحكمة تمنع نهائيا اللافتات والاعتصامات تحت قبّة البرلمان – الصحيفة


أصدرت المحكمة الدستورية، قرارا جديدا يحمل رقم 256/25 صادقت من خلاله على معظم التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على نظامه الداخلي، وهي تعديلات أثارت منذ طرحها للنقاش جدلا واسعا في الأوساط السياسية والحقوقية لما تحمله من مقتضيات تنظم بشكل صارم طرق إبداء الرأي داخل المؤسسة التشريعية.

وجاء القرار، في سياق الإحالة الوجوبية المنصوص عليها في الفصلين 69 و132 من الدستور، والتي تفرض على أي تعديل للنظام الداخلي للبرلمان أن يخضع لرقابة المحكمة الدستورية قبل دخوله حيز التنفيذ، وقد تضمنت هذه التعديلات تنصيصا صريحا على أن إبداء الرأي من طرف النواب لا يتم إلا عبر التعبير الشفوي أو الكتابي، مع منع أي شكل من أشكال التعبير الأخرى مثل رفع اللافتات الاحتجاجية أو التوضيحية أو تنظيم اعتصامات داخل قبة البرلمان أو في مقرات اللجان الدائمة.

كما ألزمت التعديلات البرلمانيين بالحضور الفعلي والمشاركة النشطة في أعمال اللجان والجلسات العامة وكافة أنشطة المجلس، مع الامتناع عن القيام بأي احتجاجات أو اعتصامات داخل المؤسسة، وأعطت لرئيس الجلسة أو اللجنة الحق في اتخاذ إجراءات تأديبية منصوص عليها في المادة 396 من النظام الداخلي في حال خرق هذه الضوابط.

المحكمة الدستورية، وهي تبت في مطابقة هذه المقتضيات لأحكام الدستور، أكدت أن منع رفع اللافتات أو القيام باعتصامات لا يشكل تقييدا غير مشروع لحرية التعبير التي يكفلها الدستور للنواب، بل يندرج في إطار تنظيم هذه الحرية بما يضمن حسن سير أشغال المجلس ويحافظ على النظام والانضباط داخل الجلسات.

وأوضحت المحكمة أن رفع اللافتات أو تنظيم اعتصامات أثناء اجتماعات اللجان أو الجلسات العامة يمكن أن يؤدي إلى إرباك مسار المناقشات والتصويت ويؤثر سلبا على نجاعة العمل البرلماني، معتبرة أن دور النواب هو الانخراط الفعلي والفعال في الأنشطة التشريعية والرقابية في إطار الضوابط التي تحكم عمل المؤسسة.

في المقابل، رأت المحكمة أن بعض المقتضيات الواردة في المادتين 254 و298 من النظام الداخلي لا تتوافق مع الدستور، خاصة الفقرة الأخيرة من المادة 254 والمقطع الأخير من المادة 298، وأمرت بحذفها قبل دخول التعديلات حيز التنفيذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية.

هذا القرار جاء في سياق سياسي وقانوني خاص، إذ أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدا في أساليب الاحتجاج داخل البرلمان من خلال رفع اللافتات أو تنظيم وقفات واعتصامات داخل القاعة، وهو ما اعتبرته مكونات داخل مكتب المجلس وبعض الفرق النيابية سلوكا يخل بهيبة المؤسسة ويعطل أداءها، وهذه الممارسات كانت في الغالب مرتبطة بملفات سياسية واجتماعية ساخنة، وهو ما جعل موضوع تنظيم أساليب التعبير داخل البرلمان مطروحا بإلحاح.

ويبدو أن التعديلات الجديدة جاءت استجابة لهذه الإشكالات، في محاولة لفرض ضوابط صارمة تحافظ على سير الجلسات وتمنع ما اعتبرته الأغلبية البرلمانية مظاهر “التشويش” على النقاشات الرسمية.

من الناحية الدستورية، يستند هذا التوجه إلى مبدأ أن حرية التعبير المضمونة للنواب ليست مطلقة، بل تمارس في إطار النظام الداخلي للمجلس، والذي يهدف إلى ضمان سير أشغاله بانتظام، فالفصل 69 من الدستور يمنح البرلمان سلطة وضع نظامه الداخلي بما ينسجم مع أحكام الدستور، لكن المحكمة الدستورية تملك سلطة الرقابة على مدى تطابق هذه المقتضيات مع المبادئ الدستورية، وهو ما فعلته في هذا القرار من خلال قبول غالبية المقتضيات ورفض بعضها كما أن هذا القرار يعكس توجها نحو تعزيز صلاحيات رئاسة الجلسات واللجان في ضبط النظام داخل البرلمان، وهو ما يمنح هذه الهيئات أدوات أقوى لفرض الانضباط.

تحليل خلفيات القرار يظهر أن الأمر لا يتعلق فقط بضبط الشكل، بل أيضا بإعادة رسم صورة البرلمان أمام الرأي العام، فالمؤسسة التشريعية كثيرا ما تعرضت لانتقادات بسبب الفوضى أو المشاهد التي توثق احتجاجات داخل القاعة، وهي صور اعتبرها منتقدون تمس بصورة المؤسسة وتضعف ثقة المواطنين فيها لذلك فإن تبني مقتضيات تمنع مثل هذه المظاهر يندرج ضمن محاولة لترسيخ صورة أكثر انضباطا ووقارا عن العمل البرلماني، حتى وإن أثار هذا التوجه تحفظات من قبل بعض الفرق النيابية التي رأت فيه تضييقا على أشكال التعبير السياسي داخل المؤسسة.

غير أن هذا القرار من جهة تانية، يثير في المقابل نقاشا حول الحدود الفاصلة بين التنظيم المشروع لحرية التعبير والتقييد المبالغ فيه لها، خاصة وأن رفع اللافتات أو القيام بوقفات رمزية كان في بعض الأحيان وسيلة لإيصال رسائل سياسية قوية لا تجد صداها في المداخلات الرسمية، أما المحكمة أكدت في تعليلها أن التعديلات لا تمس جوهر الحق في التعبير، لكنها تنظم شكله بما يحافظ على نجاعة العمل، وهو تعليل يستند إلى فكرة أن العمل البرلماني يجب أن يظل محكوما بآليات النقاش والحوار المنصوص عليها في النظام الداخلي وليس بأساليب احتجاجية قد تعرقل سير الأشغال.

في المحصلة، يعكس قرار المحكمة الدستورية رقم 256/25 توازنا بين إقرار حق النواب في التعبير وبين ضمان سير الجلسات بانتظام، ويؤسس لمرحلة جديدة في إدارة النقاشات داخل البرلمان حيث سيتعين على النواب التكيف مع ضوابط أكثر صرامة في أشكال التعبير، في مقابل تمكين رئاسة المجلس واللجان من أدوات أوضح لضبط النظام الداخلي.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة