في خطوة تعكس تخوفات جبهة البوليساريو من التأثير المحتمل لفيلم سينمائي عالمي على روايتها بشأن الوضع في الصحراء، شنت الجبهة حملة انتقادات ضد المخرج البريطاني الشهير كريستوفر نولان، بسبب اختياره مدينة الداخلة المغربية كأحد مواقع تصوير فيلمه الجديد “الأوديسة”، المتوقع صدوره في صيف 2026.
ورغم أن الانتقاد الموجه إلى نولان جاء عن طريق منظمة واحدة هي منظمة “FiSahara” الموالية للبوليساريو التي تنظم مهرجانا سينمائيا في تندوف، وفق ما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية، إلا أن وسائل الإعلام الموالية للجبهة الانفصالية سارعت إلى تبني مضمونه وإعادة نشره بكثافة، محاولة تصويره كحملة عالمية ضد نولان.
ويأتي رد الفعل هذا بعد أن أعلنت شركة “Universal Pictures” عن انطلاق تصوير فيلم “الأوديسة”، واختيار المخرج كريستوفر نولان لمدينة الداخلة بالصحراء المغربية لتصوير أجزاء من الفليم في هذه المنطقة بمشاركة نجوم عالميين يتقدمهم الممثل الأمريكي الشهير مات ديمون.
وتزعم الانتقادات أن تصوير الفيلم في الداخلة “يساهم في تلميع صورة الاحتلال المغربي” و”تطبيع القمع”، على حد تعبير مهرجان “في صحراء”، الذي استغل هذا الحدث للعودة إلى الواجهة الإعلامية الدولية، رغم محدودية تأثيره وافتقاده للحياد السياسي.
غير أن العديد من المهتمين بقضية الصحراء يرون أن هذه الحملة تُخفي قلقا أعمق لدى قيادة البوليساريو، يتمثل في الأثر المحتمل لفيلم ضخم من توقيع نولان على صورة الصحراء المغربية، خصوصا إذا ما حقق نجاحا عالميا كما هو معتاد في أعماله، مما قد يسهم في إبراز الداخلة كوجهة سياحية وسينمائية آمنة ومزدهرة، وهو ما يتناقض تماما مع خطاب الجبهة عن “منطقة حرب”.
ومن المعروف أن أفلام نولان تثير دائما نقاشات واسعة حول مواقع التصوير بعد إصدارها، كما تُستخدم كأداة ترويج قوية للمدن التي يتم التصوير فيها، وهو ما من شأنه تعزيز موقع الداخلة والمغرب عموما على خريطة السينما العالمية، ويجعل الداخلة وجهة أخرى إلى جانب ورزازات.
ويرى محللون أن الحملة ضد نولان تعكس ارتباك البوليساريو أمام فشلها في فرض روايتها دوليا، خصوصا بعد أن بدأت مدن الصحراء المغربية تجذب اهتمام منتجي الأفلام الكبرى، مما يُفند عمليا مزاعم “الحصار” أو “انعدام الأمن” التي لطالما سوقتها الجبهة.
ويضم فيلم “الأوديسة” نخبة من نجوم هوليوود، بينهم مات ديمون، وزيندايا، وآن هاثاواي، وشارليز ثيرون، وتوم هولاند، ومن المرتقب أن يُعرض عالميا في 17 يوليوز 2026، وهو التاريخ الذي يُنتظر أن يتحول فيه الحديث العالمي إلى الفيلم ومواقعه، ومن ضمنها الداخلة.
ويُرجح أن يسلط الفيلم، من خلال خلفياته البصرية، الضوء على جمال الطبيعة في الجنوب المغربي، مما قد يجذب اهتمام شركات الإنتاج السينمائي إلى المنطقة، ويعزز الحضور المغربي على خارطة السينما الدولية، في وقت باتت فيه المملكة موقعا مفضلا لكبرى الإنتاجات العالمية.
ويبدو أن البوليساريو تخشى من هذه الدينامية الجديدة التي قد تنسف السردية التي روّجتها طيلة سنوات عن “منطقة نزاع عسكري”، في ظل الهدوء والاستقرار الذي تنعم به الداخلة، وتحولها المتزايد إلى واجهة للاستثمارات والسياحة والأنشطة الثقافية.
كما أن اعتماد نولان على تكنولوجيا “IMAX” الجديدة، والتكلفة العالية للإنتاج، يؤشر على أن الفيلم سيكون محط أنظار النقاد والجمهور العالمي، مما قد يعزز زخم الاهتمام بالمنطقة، ليس فقط سياحيا، بل كجزء من صورة المغرب المستقرة والحديثة.
وتكشف هذه الحملة أن البوليساريو لا تعارض الفيلم في حد ذاته، بل تخشى من انعكاسه على الخطاب السياسي الذي تسعى إلى تكريسه، والذي يتناقض مع واقع التنمية والبنية التحتية في الصحراء المغربية، ومع الصورة التي سيخرج بها المشاهد العالمي بعد متابعة الفيلم.
ويؤكد مراقبون أن حضور المغرب المتزايد في الصناعة السينمائية العالمية لم يعد يقتصر على مراكش أو ورزازات، بل امتد إلى جهات الجنوب، بما فيها الداخلة، وهو ما يعكس نجاح رؤية المملكة في جعل السينما أداة من أدوات الدبلوماسية الثقافية.



