من البديهي ومن المعقول قانونيا وإنسانيا أن يحصل أي دافع للضرائب على خدمة عمومية مجانية أو شبه مجانية في مختلف القطاعات، خاصة في الصحة، والتعليم، والشغل، والتكوين المهني، واستكمال التكوين، ونحو ذلك.
هذا هو الجاري به العمل في معظم بلدان العالم، لكن المفارقة الغريبة هنا في بلادنا أن دافع الضرائب لا يستفيد في غالب القطاعات العمومية من تلك الخدمات المجانية أو شبه المجانية رغم تأديته لمختلف الأشكال من الرسوم الضريبية المباشرة وغير المباشرة.
ففي ظل وضعية معيشية قاسية متواصلة، الله وحده يعلم مداها وارتفاعات متوالية في أسعار المحروقات وجل المواد الاستهلاكية المحلية والمستوردة، وجشع الشركات الكبرى الوطنية والأجنبية على وجه الخصوص، والمضاربين والوسطاء والسماسرة الذين لا خلاق لهم، تأبى الحكومة إلاّ أن تقدم عرضا غير مقنع البتة للنقابات المركزية ولعموم العمال والموظفين والمتقاعدين من المواطنين دافعي الضرائب بمختلف أصنافها.
وبالمقابل، يحظى كبار المسؤولين وأعضاء الحكومة والبرلمان والمدراء ورؤساء المجالس والصناديق، والشركات المملوكة للدولة والهيئات الرسمية، وأعضاؤها بسخاء التعويضات والامتيازات العينية والمادية وارتفاع الرواتب الشهرية عندهم من قبل الحكومة نفسها، وما ينفق على بعض المؤسسات الرسمية كالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي يرأسها الوزير ذاته المكلف بتدبير ميزانية الدولة السيد فوزي لقجع، ناهيك عن بعض المهرجانات التي ترعاها وزارة الثقافة من المال العام وغيره كثير مما لا يتسع المجال لذكره هنا.
وترتيب متوسط راتب الموظف المغربي بين رواتب موظفي الدول العربية ليس في أحسن حال، وخلفه فقط موظفو تونس ومصر والجزائر بينما يتفوق عليه الموظفون في متوسط الراتب ببلدان الخليج، وحتى بالأردن والعراق وفلسطين.
ليس من العدل إذن تبخيس مكانة دافعي الضرائب من الأجراء والمتقاعدين في الاقتصاد الوطني.
نعود ونكرر لذوي الألباب من مسؤولي الحكومة أيضا من خلال إطلالة بسيطة على حقوق دافع الضرائب أو المواطن الأوروبي، تجعلنا إذن ندرك مدى البون الشاسع الحاصل بينه وبين دافع الضرائب عندنا. فهو يتمتع بحد أدنى للأجور لا يقل في الغالب عن 1400 أورو بالشهر حسب المستوى الاقتصادي لدولة ما بالاتحاد الأوروبي، ويستفيد غالبا من المجانية في الدواء وفي العلاجات وفي الاستشفاء داخل أو خارج المشافي العمومية، كالعمليات الجراحية وعمليات التوليد والمتابعة، وغيره ومن تعليم لأبنائه بجودة عالية، مع توفير المستلزمات الدراسية، والنقل المجاني، ومن تعويضات شهرية وسنوية للأسر ذات قيمة معتبرة.
ومن الدعم المدرسي المالي لأبنائها ورعاية خاصة للمواليد وللأطفال عموما من الصندوق المخصص لذلك، ومن التعويض الشهري عن توقف أو فقدان الشغل لكل مواطن أو مواطنة كيفما كان حاله، وتمتيعه بالمجانية في كثير من ضرورات العيش اليومي، وكذا توفير الإيواء المجاني له من قبل الدولة أو دفع مقابل مادي للاستفادة منه حسب الاستطاعة، دون الحديث عن الامتيازات المتعددة التي يحظى بها من قبل الدولة ذوو الاحتياجات الخاصة من معاقين ذهنيا أو بدنيا أو من الفاقدين للحركة وللقدرة عن العمل، أو لمن لهم صعوبة في القراءة والتذكر ومرضى التوحد وأصحاب الأمراض المزمنة من الصغار والكبار..إلخ..
مع اعتماد سياسة كسر الأسعار في عدة مناسبات ليتمتع من هم في أمس الحاجة أيضا بتناول أو ارتداء ما غلا سعره، كما تعطى لكافة المواطنين والمواطنات عدة خيارات تحت ضمانة الدولة وفق منظومة السلامة الاجتماعية وأمن الشغل أو عدمه،ف ي كل ما تعلق بمعيشهم اليومي وحاضرهم ومستقبلهم من تيسير في السكن وفي شروط الحصول عليه حسب مدخول كل فرد، وفي توفير آفاق واعدة للتكوين الذاتي واستكمال الدراسة، وفي طرح ومراقبة السوق التنافسية الحرة للاستفادة من خدمات الهاتف مع طرح صيغ مجانية للاتصال داخل وخارج أوروبا، وعروض الأنترنيت بصبيب عال يكاد لا ينقطع.
وفي تنظيم الأسفار الداخلية والخارجية والسياحة الفندقية والتخييم وفي كل ما يرتبط بالصحة العامة للمواطن ووقايته من مختلف الأمراض، بل حتى الحيوان الأليف له ما يلزمه من حقوق العناية به في إطار القوانين الجاري بها العمل هناك، وما خروج أصحاب السترات الصفراء أساسا إلى شوارع فرنسا إلا من أجل المطالبة بالتخفيض من الضرائب وتجويد الخدمات المقدمة إلى المواطن أسوة ببعض الدول الأوروبية التي تحظى فيها الرعاية الاجتماعية بمستويات أفضل وأرقى من فرنسا.
وبالطبع فالاتحاد الأوروبي، ليس جنة من لا جنة له، ولكنه من منظور شعوب كثير من الدول السائرة في طريق النمو المسماة سابقا بالدول المتخلفة أو النامية،فمواطنوه يعيش معظمهم عيشة راضية على الأقل مع ضرورات الحياة وكمالياتها، دون الحديث عن المواطن الخليجي الذي يحظى برعاية أفضل مع منسوب أقل في القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان.
أما دافع الضرائب عندنا، فهو رغم التزامه بأداء مختلف الواجبات الضريبية، وهي كثيرة ومتنوعة المصادر سواء ما تعلق بدخله أو بالضريبة على القيمة المضافة أو بالضريبة على الاستهلاك أو الرسوم الجبائية الجماعية، وكذا الرسوم المختلفة الواجبة على المواطن من قبل الدولة، فإنه،مع كل ذلك، يبقى عرضة لكثير من معوقات الحياة كمواطن يسعى إلى العيش الكريم داخل وطنه الذي يحبه ولا يرضى بغيره وطنا، بل يغار عليه ويذود عنه من كل نيل من سمعته كلما سمع أو رأى ما يغضبه من مس بتاريخ أو حاضر وطنه.
رغم كل ذلك، وبحد أدنى للأجور لا يتعدى في الوظيفة العمومية مثلا 4500 درهم بالشهر، فإنه يكاد لا ينتفع من أي شيء يعد مجانيا إلا فيما ندر في معظم شؤون الحياة المعيشية منذ ولادته إلى حين وفاته، بل إن رب الأسرة أو معيلها هو من يتكفل برزق العاطلين عن العمل و إيوائهم أو بمن توقفوا من أسرته عن الشغل لأسباب مختلفة إلا إذا كانوا قد تحصلوا هم على تأمين خاص بحالتهم.
فلا صبيب يرضي المواطن المغربي مثل نظيره الأوروبي على مستوى الأنترنيت، ولا خدمات مناسبة ومرضية صحيا وتعليميا بالقطاع العمومي إذا قورن ذلك بما يتحصل عليه المواطن الأوروبي، رغم أن كلاهما يدفع الضرائب للدولة.
غنى الوطن الأم بثرواته الباطنية منها والبحرية والبشرية
وتحت عنوان: مدن المغرب المنجمية.. غنى تحت الأرض وفقر فوقها، نشرت سناء القويطي من الرباط مقالا مفيدا بموقع الجزيرة .نت بتاريخ 13 فبراير 2018، قالت فيه باقتضاب عنها: يزخر المغرب بثروات معدنية هامة، وفضلا عن الفوسفات الذي تتوفر المملكة على 75% من الاحتياطي العالمي منه، توجد بالبلاد مناجم معدنية أخرى كالحديد والرصاص والفضة والزنك والنحاس وغيرها في مختلف الجهات يوجه إنتاجها بصفة أساسية للتصدير.
وتتوزع الثروات المعدنية بالمغرب فيما يسمى بالهامش المغربي، وهي مناطق رغم توفرها على ثروات هائلة، فإنها تعيش خارج التنمية وتتقاسم ثنائية متناقضة وهي الثروة والهشاشة، ومن هذه المدن خريبكة (الفوسفاط) وميسور (الغاسول) و إميضر (الفضة) والناظور (الحديد) وميدلت (الرصاص والزنك) وورزازات (الكوبالت) وزاكورة (النحاس) وغيرها.
من هم دافعو الضرائب للدولة المغربية؟
ونعود ونتذكر هنا، والذكرى تنفع المؤمنين ما صرح به سابقا نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي، نقلا عن أحد المنابر الوطنية عن غياب “العدالة الضريبية”، مؤكدا أن “الطبقة المتوسطة هي التي تؤدي حقا الضرائب”، ومشبها هذا النظام بـ”قطعة جبن مليئة بالثقوب” وأوضح أقصبي خلال محاضرة رقمية بثتها “الجامعة المواطنة” أن “النظام الضريبي المغربي يعتمد في النهاية على المستهلكين والموظفين، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل من العمل لصالح رأس المال، وهو ما يؤدي إلى الضغط على الاستهلاك والطلب الداخلي”.
وقدم المحاضر معطيات رقمية عديدة تؤكد “فشل النظام الضريبي المغربي”؛ أهمها معدل الضغط الضريبي الذي كان يقدر خلال سنوات بـ 22 في المائة، ناهيك عن هيكلة الضغط الضريبي والتي تعد غير “عادلة”.
وقال أقصبي إن الضرائب المغربية يمكن تقسيمها إلى شقين؛ ضرائب مباشرة تمثل 39 في المائة، والضرائب غير المباشرة التي تمثل 61 في المائة، مشبها هذه الأخيرة بـ”الضرائب العمياء التي يؤديها المواطن دون أن يعي بالأمر”.
وحسب الخبير الاقتصادي المغربي، فإن الشق الأكبر من الضرائب غير المباشرة تمثله الضريبة على القيمة المضافة “TVA” والتي تمثل 39 في المائة من مجموع الضرائب، ويتوقع أن تصل قيمتها خلال السنة الحالية إلى 106 مليارات درهم، ثم الضريبة على الشركات التي تمثل 21 في المائة بقيمة 56 مليار درهم، والضريبة على العائدات التي تمثل 18 في المائة بقيمة 48 مليار درهم، ضمن هذه الأخيرة الضريبة على الدخل التي تمثل أكثر من الثلثين.
وخلص أقصبي إلى ثلاث إشكاليات تهم النظام الضريبي المغربي؛ “أولاها أن الضريبة على العائدات هي ضريبة على دخل الأجور تدفعها الطبقة المتوسطة في الغالب، ثانيتها أنه يتم دفع الضريبة على الشركات فقط من قبل أقلية صغيرة من الفئة المستهدفة، وثالثها أن ضريبة القيمة المضافة هي احتيال كبير”.
وأكد الخبير الاقتصادي المغربي أن الضريبة على القيمة المضافة يؤديها فعلا 36 مليون مستهلك مغربي، أما ضريبة الشركات فمن بين 833،181 شركة معنية فقط 120،383 (أي 14 في المائة فقط) قدموا إقرارا المستفيد، وبالتالي تم إيداع 86 في المائة من البيانات الباطلة”.
وتابع المحاضر ذاته قائلا: إن “هذا النظام غير فعال اقتصاديا. ولهذا، ظل الاستثمار الخاص في تراجع، وتم توليد ما يسمى بـ الامتيازات والريع الضريبي؛ وهو ما زاد من عجز الدولة”.
وأبرز أقصبي أن “الاكتفاء الذاتي المالي” أصبح إشكالية، من خلال نظام يغطي جزءًا أكبر قليلاً من نصف الإنفاق الحكومي، أي فقط 55 في المائة، السنة الماضية.
بعض أنواع الضرائب بالمغرب باختصار
الضريبة على الاستهلاك
الضريبة على الدخل
الضريبة على الشركات
الضريبة على القيمة المضافة
واجبات التسجيل
واجبات التمبر
رسم السكن
رسم الخدمات الجماعية
حكم وأقوال عن التنمية البشرية من احمد الشقيري
لا يوجد شخص معاق, بل يوجد مجتمع يعيق.
ما فائدة أن نقول لدينا أعلى المباني في العالم و لا نستطيع أن نقول لدنيا أذكى العقول في العالم.
لن تجد حلا إذا أنكرت وجود المشكلة
رسالة لكل شاب وشابة: استثمروا ما أنتم فيه، فو الله هذه الأيام وهذه الطاقة والقدرة التي أنتم فيها اليوم لن تعود أبداً.
كاتب صحفي
الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة



