بعد اتضاح مكانتها البارزة ليس فقط في النسيج الإنتاجي الوطني، بل كذلك دورها في امتصاص حجم البطالة المتفاقمة، أطلقت الحكومة أخيراً آلية طال انتظارها، موجهة لدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، بشروط وصفتها بالميسرة. بيد أنه إذا كان خبراء اقتصاديون يشيدون بمقاربة البرنامج الطموحة، فجزء من المقاولات المعنية به ترى شروطه “تعجيزية” ولا تلائم أوضاعها المزرية الراهنة بعد تعاقد الأزمات.
وأطلق رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عبر سلسلة من القرارات المنشورة في الجريدة الرسمية، المرحلة التنفيذية لنظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، في خطوة، اعتبر الخبير الاقتصادي، إدريس الفينة، أنها “تُجسّد التحول الفعلي الذي حمله ميثاق الاستثمار الجديد، وأداة استراتيجية لإعادة توزيع الاستثمار وتحفيز المبادرة الاقتصادية في كل الجهات، بما يعزز العدالة المجالية ويدفع نحو اقتصاد منتج من القاعدة إلى القمة”.
وتابع المتحدث ذاته بأن البرنامج حدد فروع الأنشطة المؤهلة، حسب كل جهة، والقطاعات ذات الأولوية الوطنية، كما وضع ملفًا إداريًا موحدًا وبسيطًا يمكن إيداعه إلكترونيًا عبر المراكز الجهوية للاستثمار.
و”تمّ كذلك اعتماد منح ترابية تتراوح بين 10 و15 بالمئة من مبلغ الاستثمار، تُوجَّه للمشاريع المنجزة في العمالات والأقاليم حسب حاجياتها التنموية، في سابقة تترجم رؤية الحكومة في توطين النمو الاقتصادي”.
من جانبها، رأت الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أن هذا الدعم “في غير متناول المقاولات الصغیرة جدا”، معتبرة أن بعض شروط الاستفادة منه، على غرار شرط استثمار أدنى بقیمة ملیون درھم، یستبعد تلقائیاً 99.99 في المئة من المقاولات الصغیرة جدا المغربیة”.
وأضافت في تفاعلها مع الموضوع أن ھذه المقاولات، التي غالباً ما تكون ھشة وقلیلة الرسملة وتواجه صعوبات ھیكلیة، تفتقد الوسائل اللازمة للوصول إلى ھذه الحدود، بالإضافة إلى أن غیاب آلیات ضمان متاحة أو تمویلات ملائمة يؤديان إلى تفاقم استبعادھا من التمویل البنكي أیضا.
واعتبرت أن البرنامج يتجاهل العقبات الهيكلية التي تشكو منها المقاولات الصغيرة جدا، وفي مقدمتها شروط منح القروض البنكیة المفرطة التي تتطلب ضمانات غیر متناسبة، غالباً ما تصل إلى ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب، رغم وجود آلیات ضمان عمومیة مثل “تمویلكم”. وأسعار الفائدة المرتفعة التي لا یمكن للمقاولات ذات الھوامش الھشة تحملھا، فضلا عن تصنیف المقاولات الصغیرة جدا من طرف البنوك على أنھا “ذات مخاطرة عالیة” مما یستبعد أغلبھا من الدورات الرسمیة للتمویل.
“في الواقع، الأغلبیة الساحقة من المقاولات الصغیرة جداً المغربیة، التي تمثل 98.4% من النسیج المقاولاتي، تفتقر إلى الموارد المالیة والھیكلیة التي تمكنھا من تلبیة المعاییر المفروضة، سواء للوصول إلى القروض أو لاستیفاء شروط صندوق الاستثمار الجدید في حده الأدنى باستثمار ملیون درھم للاستفادة من الدعم”.
مع ذلك، يرى رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، إدريس الفينة، أن الانعكاسات الإيجابية لهذه الخطوة متعددة؛ “فهي أولًا تحفّز الاستثمار المحلي عبر تشجيع المقاولات الصغرى على إطلاق مشاريعها في مجالات الصناعة التحويلية، الفلاحة، الطاقات المتجددة، والسياحة، وثانيًا، ستُساهم في خلق فرص شغل جديدة ودائمة، خصوصًا لفائدة الشباب وحاملي المشاريع، كما أنها ستُعيد التوازن المجالي من خلال منح تحفيزية للمناطق الداخلية، ما يُقلّص الفوارق الاقتصادية بين الجهات”.
وفي الجانب المؤسساتي، يُعدّ اعتماد المنصة الرقمية خطوة حاسمة نحو تبسيط المساطر وتعزيز الشفافية، “إذ تتيح معالجة الملفات بسرعة أكبر بعيدًا عن البيروقراطية. أما في البعد الاجتماعي، فهي مبادرة تُعيد الثقة بين الدولة والمقاول المواطن، وتجعل من ريادة الأعمال محركًا حقيقيًا للتنمية”، يؤكد الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.
وللتغلب على الاختلالات التي تشوب البرنامج، أوصت الكونفدرالیة المغربیة للمقاولات الصغیرة جدا والصغرى والمتوسطة بمراجعة شروط الولوج إلى صندوق دعم الاستثمار لیصبح متاحاً للمقاولات الصغیرة جداً، مع تخفیض العتبات وتوفیر آلیات ملائمة (مثل القروض بدون ضمانات مفرطة، والدعم المباشر).
ودعت إلى إنشاء بنك عمومي مخصص للمقاولات الصغیرة جداً، والشركات الناشئة والمقاولین الذاتیین، مستوحى من نماذج ناجحة لتلبیة حاجیات التمویل المباشر للمقاولات الصغیرة ومواكبتھا، على غرار “Bpifrance” في فرنسا.
ونصحت بإعادة فرض نظام ضریبي متدرج؛ معدل ضریبة تصاعدي أو مخفض للمقاولات الصغیرة جداً والصغرى، یسمح لھا بالنمو في ظروف عادلة، مع تبسیط الإجراءات الإداریة وتقلیص آجال دفع الصفقات العمومیة التي تخنق خزائن المقاولات الصغیرة.
وأخيراً، أوصت بتقدیم مرافقة شخصیة لمساعدة المقاولات الصغیرة جداً على تقنین أنشطتھا، وتصمیم مشاریع قابلة للتمویل، وولوج القطاعات الاستراتیجیة عبر تكوینات، ودعم تقني وتمویلات موجھة.



