شهدت الصادرات الإسبانية نحو الجزائر خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 ارتفاعا ملحوظا، بعد أكثر من عامين من قرار القطيعة التي اتخذته الجزائر ضد الصادرات الإسبانية، بسبب موقف هذه الأخيرة الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل لنزاع الصحراء.
ووفق معطيات نشرتها صحيفة “TSA” الجزائرية ونقلتها “Courrier International” فإن الصادرات الإسبانية إلى الجزائر ارتفعت بنسبة 162 بالمائة خلال الفترة الممتدة من يناير إلى ماي 2025، لتصل قيمتها الإجمالية إلى حوالي 900 مليون أورو.
وحسب المصادر ذاتها، فإن جمال الدين بوعبد الله، رئيس غرفة التجارة والصناعة الإسبانية–الجزائرية، أوضح أن تسجيل هذا الارتفاع كان “منطقيا” بعد استئناف التدفقات التجارية، بالنظر إلى أن المبادلات كانت شبه متوقفة حتى نونبر 2024، باستثناء بعض المنتجات المحدودة مثل اللحوم والكتاكيت.
وأضاف المتحدث نفسه، أن هذا التطور يعكس عودة نسبية للأرقام السابقة للأزمة، وهو ما يؤشر على فتح الجزائر أبوابها مجددا أمام الصادرات الإسبانية، رغم أن مدريد لم تُغير من موقفها السياسي بخصوص قضية الصحراء، وهذا بإقرار الصحافة الجزائر وتقارير دولية.
وقالت صحيبفة “الإندبنديينتي” الإسبانية في هذا السياق، إن البنك المركزي الجزائري هو من بادر في نونبر 2024 إلى رفع القيود المفروضة على التجارة الثنائية، مما سمح باستعادة النشاط التجاري، مع الحفاظ في المقابل على التزامات الجزائر بتوريد الغاز إلى إسبانيا طيلة فترة الأزمة.
وأضافت الصحيفة الإسبانية، إنه بالرغم من هذا التطور في العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن العلاقات السياسية لازال يطبعها “التحفظ” بالنظر إلى أن الخلاف السياسي ما يزال ملموسا بين السلطات الجزائرية وحكومة بيدرو سانشيز بسبب موقف الأخيرة من قضية الصحراء المغربية.
ووفق ما جاء في تقرير “كوريير إنترناسيونال” فإن الغاز الجزائري يواصل لعب دور أساسي في العلاقات بين الطرفين، حيث لبّى بين 26 و30 بالمائة من احتياجات السوق الإسبانية خلال يونيو الماضي، عبر أنبوب “ميدغاز” الرابط بين بني صاف الجزائرية وميناء ألميرية الإسباني.
وإلى جانب الغاز، يبرز قطاع السيراميك كأحد مجالات الاستفادة المباشرة من هذا الانفراج، إذ استوردت الجزائر معدات وآلات ومواد أولية للصناعة الخزفية من إسبانيا بقيمة قاربت 44.6 مليون أورو خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، وفق صحيفة “الشروق” الجزائرية.
جدير بالذكر أن الجزائر، حين أعادت سفيرها إلى مدريد في نونبر 2023 وأعلنت استئناف قنوات التواصل الدبلوماسي، كانت تبرر هذه الخطوة بالقول إن إسبانيا “صححت” موقفها من قضية الصحراء.
لكن الواقع على الأرض يكشف العكس، إذ أن الحكومة الإسبانية لم تتراجع عن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، بل جددت تأكيدها على اعتبارها “الحل الأكثر جدية وواقعية” للنزاع، وهو ما يجعل التبريرات الجزائرية أقرب إلى محاولة لتسويق إنجاز سياسي داخلي أكثر من كونها انعكاسا لتحول فعلي في الموقف الإسباني.
ويؤكد استمرار التحفظ السياسي المتبادل بين البلدين، على الرغم من انفراج المبادلات التجارية، أن الخطاب الجزائري حول “تغيير موقف مدريد” لم يكن سوى ذريعة مؤقتة لتبرير عودة العلاقات الدبلوماسية، في وقت ظلت الأزمة السياسية قائمة من دون أي اختراق حقيقي.



