دخلت العلاقات الإسبانية الأمريكية إلى مرحلة شبه “توتر” حيث اتهمت واشنطن مدريد بـ”تشجيع الإرهابيين” من خلال الإجراءات التي أعلنها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، ضد إسرائيل، في وقت تتصاعد فيه المؤشرات على تقارب أمريكي أكبر مع المغرب سياسيا واقتصاديا وأمنيا حسب تقارير إعلامية إسبانية.
وجاء الموقف الأمريكي عبر بيان وجهته الخارجية إلى وكالة “رويترز”، وصفت فيه قرارات سانشيز بأنها “مقلقة للغاية”، معتبرة أن الحد من التعاون الدفاعي مع إسرائيل في نفس اليوم الذي شهد هجوما أودى بحياة ستة أشخاص في القدس، يمثل رسالة خاطئة تشجع حركة “حماس” حسب تعبير الخارجية الأمريكية.
وتضمنت قرارات سانشيز التسعة تعزيز حظر تصدير الأسلحة لإسرائيل، ومنع مرور السفن في الموانئ الإسبانية أو الطائرات في الأجواء الوطنية إذا كانت تحمل معدات دفاعية موجهة لتل أبيب، وهو ما أثار غضب الإدارة الأمريكية التي ترى في هذه الإجراءات تهديدا لتوازن علاقاتها الاستراتيجية في المنطقة.
هذا الموقف يأتي لينضاف إلى تراكم الخلافات بين مدريد وواشنطن، بسبب الحرب في غزة، وقد ظهرت العديد من مؤشراته، من بينها غياب سانشيز الشهر الماضي عن اللقاءات التي استضافها البيت الأبيض لمناقشة الحرب في أوكرانيا، وهو الغياب الذي اعتبرته الصحافة الإسبانية آنذاك “تجاهلا مقصودا” من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكانت اللقاءات قد شهدت حضور قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا، إلى جانب رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس حلف “الناتو” والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حين غابت إسبانيا عن المشهد رغم كونها من أبرز الداعمين الأوروبيين لكييف، ما أثار الكثير من علامات الاستفهام في مدريد حول مكانتها لدى الحليف الأمريكي.
وربط مراقبون بين هذا التهميش المتعمد ومواقف حكومة سانشيز التي لم تنسجم في الأشهر الأخيرة مع التوجهات الأمريكية، سواء برفض زيادة الإنفاق الدفاعي داخل الناتو أو عبر تبني خطاب منتقد بشدة لإسرائيل في حرب غزة، وهو ما زاد من توسيع الفجوة مع واشنطن.
وفي المقابل، تكشف التحركات الأمريكية الأخيرة عن رهان متزايد على المغرب كشريك أكثر استقرارا وموثوقية في شمال إفريقيا والساحل، في وقت تتراجع فيه ثقة واشنطن في حكومة مدريد الحالية، وفق ما عبرت عنه العديد من التقارير الإعلامية الإسبانية، خاصة اليمينية.
وكانت ذات المصادر، إضافة إلى تقارير إعلامية دولية قد أشارت في الشهور القليلة الماضية إلى أن الأزمة بين سانشيز وترامب قد تفتح الباب أمام إعادة النظر في مستقبل القواعد العسكرية الأمريكية بإسبانيا، وعلى رأسها قاعدة “روتا”، التي طالما شكلت محورا للتعاون الدفاعي بين البلدين.
بل إن بعض هذه التقارير تحدث عن احتمال نقل مقر القيادة الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” إلى المغرب، في سياق إعادة التموضع الاستراتيجي لواشنطن في القارة، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الحيوي للمملكة وصلابة شراكتها العسكرية مع الولايات المتحدة.
ويعزز من هذه الفرضية، حسب المصادر نفسها، استمرار تنظيم مناورات “الأسد الإفريقي” بشكل سنوي على الأراضي المغربية، وهي أكبر تدريبات عسكرية تشرف عليها الولايات المتحدة في القارة الإفريقية، بمشاركة عشرات الدول الأوروبية والإفريقية.
وتعتبر الرباط اليوم أكثر من أي وقت مضى شريكا محوريا لواشنطن، ليس فقط على المستوى الأمني والعسكري، بل أيضا في ملفات اقتصادية واستثمارية، حيث تواصل المملكة استقطاب مشاريع استراتيجية مدعومة أمريكيا، في وقت تواجه فيه مدريد صعوبات في الحفاظ على جاذبيتها لدى الشركات والمستثمرين.
ويرى محللون أن استمرار سانشيز في تبني مواقف متعارضة مع أولويات واشنطن، خصوصا فيما يتعلق بإسرائيل وحلف شمال الأطلسي، من شأنه أن يعمق عزلة إسبانيا داخل المنظومة الغربية، ويفتح المجال أكثر أمام المغرب لتثبيت مكانته كحليف أول للولايات المتحدة في المنطقة.



