صراع المعارضة والأغلبية داخل البرلمان يعطل التحقيق في “دعم الفراقشية”.. مهمة استطلاعية معلّقة وأسئلة مفتوحة حول مصير مليارات من الدعم العمومي

admin22 يوليو 2025آخر تحديث :
صراع المعارضة والأغلبية داخل البرلمان يعطل التحقيق في “دعم الفراقشية”.. مهمة استطلاعية معلّقة وأسئلة مفتوحة حول مصير مليارات من الدعم العمومي


اصطدمت رغبة برلمانيين في فتح ملف الدعم الموجه لاستيراد المواشي أو ما بات يُعرف إعلاميا بـ”دعم الفراقشية” بجدار سياسي صلب داخل لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، كشف مرة أخرى عن حجم التوتر الكامن بين الأغلبية والمعارضة، وعن هشاشة التوافق داخل المؤسسة التشريعية حين يتعلق الأمر بالملفات الحساسة التي تمس مصالح شبكات نافذة وتفضح اختلالات التدبير الحكومي.

القصة بدأت حين تقدمت فرق برلمانية، من المعارضة أساسا، بطلب لتشكيل مهمة استطلاعية مؤقتة من أجل التحقيق في نجاعة الدعم المالي الذي ضخته الدولة لفائدة مستوردي الأغنام والأبقار واللحوم الحمراء خلال سنتي 2023 و2024، وهي مبالغ تجاوزت ملياري درهم، ورافقتها وعود حكومية بخفض الأسعار وضمان وفرة العرض، خاصة في فترات الذروة مثل رمضان وعيد الأضحى.

ورغم ضخامة الغلاف المالي الذي خُصص لدعم استيراد المواشي، بقيت أسعار اللحوم مرتفعة في الأسواق دون أن ينعكس ذلك إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين، وقد أجمعت التقارير الميدانية سواء الصادرة عن مؤسسات رسمية أو منظمات مهنية مستقلة على أن الأثر المباشر لهذا الدعم كان محدودا، إن لم يكن منعدما بالنسبة للمستهلك، وهذا التناقض بين حجم الموارد المرصودة وواقع السوق أعاد إلى الواجهة مطلب مساءلة الجهات الوصية، موجّها الأنظار إلى البرلمان بوصفه سلطة رقابية يُفترض أن تواكب كيفية صرف المال العام، وتُقيّم نجاعة السياسات العمومية المرتبطة به.

ورغم أن الأمر بدا في ظاهره تقنية رقابية روتينية، إلا أن النقاش انزلق سريعا إلى مساحات الصراع السياسي، بعدما قرر مكتب لجنة القطاعات الإنتاجية إعطاء الأسبقية لطلب فرق الأغلبية، ما أثار غضب الفريق الحركي المعارض الذي كان سباقا إلى طرح الموضوع، واعتبر الخطوة تحايلا على روح الدستور ومبدأ العدالة بين الفرق النيابية في الولوج إلى آليات الرقابة فانسحب أعضاؤه من الاجتماع، ما جعل اللجنة تدخل في حالة شلل عملي عطّل تشكيل المهمة لأسابيع.

مصادر من داخل اللجنة كشفت لـ “الصحيفة” أن مكتب المجلس حاول احتواء التوتر بعرض وساطة تنظيمية، تمثلت في اقتراح إسناد رئاسة المهمة الاستطلاعية للفريق الحركي، في خطوة تُقرأ سياسيا على أنها اعتراف ضمني بمشروعية مطالبه ومحاولة لاستعادته إلى طاولة التنسيق لكن، ورغم مراسلة رسمية وُجهت إلى الفرق والمجموعات النيابية من أجل اقتراح ممثليهم في تركيبة المهمة، ظل الصمت يخيّم على جزء من المعارضة، التي لا ترى الاقتراح كافيا لاستعادة مناخ الثقة المفقود.

وهذا الانسداد يُسائل مرة أخرى مدى استقلالية آليات الرقابة البرلمانية وقدرتها على النفاذ إلى مناطق التأثير السياسي والمالي، خاصة عندما يتعلق الأمر بدعم فئات معينة تعتبر تقليديا من المحسوبين على شبكات التوزيع الكبرى، والتي تشتغل في ظل حماية غير معلنة من بعض الأطراف النافذة في الحكومة.

فالدعم الذي خُصص لاستيراد الماشية لم يُواكبه، وفق ما أكدته مصادر من داخل اللجنة، أي تتبع صارم أو تقارير شفافة تُظهر مسارات صرفه أو الآليات التي ضمنت عدم تسربه إلى المضاربين، والأسوأ أن النتائج المعلنة على الأرض لا تبرر حجم الاستثمار المالي، إذ لم تشهد الأسواق انخفاضا حقيقيا في الأسعار، بل ارتفعت في بعض الفترات، ما جعل الرأي العام يتساءل إن كانت الحكومة تدعم المواطن فعلا، أم تدعم فئة محدودة تستفيد مرتين من المال العمومي ومن هامش الربح المتضخم.

وتؤكد مصادر مطلعة أن المعارضة تخشى أن تُستغل المهمة الاستطلاعية، في حال ظلت تحت هيمنة الأغلبية، كأداة لتبرئة الحكومة أو تقديم سردية تبريرية، بدل أن تكون وسيلة لكشف الخلل ومساءلة المسؤولين عن هدر محتمل لمليارات الدراهم من المال العام.

بناء عليه، تصر هذه الأطراف على أن رئاسة المهمة يجب أن تُمنح لفريق معارض، وأن تُمارَس فيها الرقابة البرلمانية بأقصى درجات الشفافية والصرامة، بعيدا عن حسابات التحالفات الظرفية والتوازنات الهشة داخل الأغلبية.

في المقابل، ترى فرق الأغلبية أن اللجنة يجب أن تنطلق دون تأخير، وأن التوافق حول الرئاسة لا يجب أن يُستخدم كذريعة لتعطيلها، معتبرة أن الهدف الأسمى هو الوصول إلى نتائج تُفيد البرلمان والرأي العام، لا تسجيل نقاط سياسية لكن، وفي غياب اتفاق واضح، فإن المهمة الاستطلاعية تبقى معلقة، وقد يتم تأجيلها إلى دورة أكتوبر المقبلة، مما سيُضعف تأثيرها السياسي ويجعل من الصعب استثمار نتائجها في مساءلة الحكومة قبل نهاية الولاية التشريعية.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة