قُصفت الدوحة، وتألمت قطر، وتلقى أميرها العشرات من الاتصالات المنددة والمتضامنة مع الدولة الصغيرة والغنية بالغاز والنفط، بعد أن وصلتها الصواريخ الإسرائيلية، وقبلها كانت الصواريخ الإيرانية تضرب قاعدة “العديد” على أطراف الدوحة.
لم تعد أي دولة خليجية أو عربية بمنأى عن الاستهداف الإسرائيلي، فقبل قطر قُصفت تونس مرتين خلال الأسبوع الجاري، حيث استهدفت طائرات مسيرة إسرائيلية سفن “أسطول الصمود” الراسية بميناء منطقة سيدي بوسعيد الساحلية، على بعد كيلومترات قليلة من القصر الرئاسي لقيس سعيد.
ما حصل في قطر هو نتيجة لتراكم الكثير من التفكير “القبلي” في تدبير الدول، خصوصا في منطقة الخليج، حيث الخلافات مازالت قائمة بين قبائل العرب منذ واقعة “الخرسان” سنة 64 هـ حين اخلفت القبائل العربية حول من يبايعون بعد وفاة الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.
ومنذ ذاك الوقت، وحفدة يعرب ابن قحطان في خلاف دائم، من دسائس بينهم لا تنتهي، ومعارك، وخيانات وغدر، ونكث بالوعود والعهود بين القبائل التي تحولت إلى دول ذات عمران وناطحات سحاب وصناديق سيادية، لكن بعقلية قبلية صرفة، تفرق أكثر مما تجمع، حتى اتفق العرب ألا يتفقوا، وفق القول المأثور.
ضُربت الدوحة، وقبلها بسنوات سقطت بغداد بعد أن حاول صدام التهام الكويت، كما خُرّبت اليمن بحضارتها العريقة، ودمرّ معها البشر قبل الحجر، وتم الرفس على سورية بكل ثقلها التاريخي، وللمصادفة فقد شاركت الدوحة والإمارات والسعودية بمال وفير في تدمير إرث سوريا من حلب إلى اللاذقية وتدمر وحمص.. وسبق لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم، أن أكد في حوار تلفزيوني أن بلاده قدمت الدعم لجبهة النصرة، في سوريا بالتنسيق مع تركيا وأمريكا والسعودية، وهي فرع من فروع تنظيم القاعد، بل إن حمد ابن جاسم قال في نفس الحوار حرفيا: “احنا تهاوشنا على الصيدة، وفلتت الصيدة، واحنا قاعدين نتهاوش عليها”. والقصد هنا سوريا.
وبعدما بدأت هذه الدول في تدمير سوريا ودعم الحركات المتشددة، اختلفوا فيما بينهم، فبدأوا في نهش لحم بعضهم البعض وظهر ذلك في حصار قطر سنة 2017 بعدما تعبوا من دعمها لحركة الإخوان المسلمين، ومساهمتها المالية والإعلامية للإسلام السياسي على حساب الأنظمة القائمة.
وبعد سنوات من حصار قاتل، وخانق، صرفت فيه الملايير من الدولارات، عاد الإخوة الأعداء للجلوس على طاولة واحدة، يبحثون عن توافق لن يكون، وإن كان فلن يدوم وهذا حال العرب تاريخيا.
اليوم ضُربت قطر التي كانت تعتقد أن صفقات السلاح ومنح الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة “العديد” في الدوحة سيحميها من شر قادم، قبل أن تستفيق على وقع صواريخ إسرائيلية بمباركة أمريكية تصل لقلب الدوحة.
وقبل صواريخ تل أبيب على الدوحة كانت صواريخ الحوثيين قد شهور ماضية إلى منابع النفط في السعودية، وإلى مطار دبي وأبوظبي في حرب “الإخوة العرب الأعداء”.
يبلغ الناتج القومي لقطر 226.2 مليار دولار أمريكي، وللسعودية 1.2 تريليون دولار أمريكي، وللإمارات 482 مليار دولار أمريكي، وللكويت 163.7 مليار دولار أمريكي، ولسلطنة عمان حوالي 99.5 مليار دولار أمريكي، وللبحرين 47.74 مليار دولار أمريكي، مع إجمالي عدد سكان لدول الخليج العربي مجتمع بلغ 61.2 مليون نسمة بنهاية عام 2024، وبالمقارنة مع إسرائيل، الدولة المارقة في الشرق الأوسط التي تضرب في كل مكان خارج كل القوانين الدولية، فناتجها القومي الخام بلغ سنة 2024 540.38 مليار دولار بتعداد سكان بلغ من نفس السنة 9,974 مليون نسمة.
بحسبة بسيطة، فإن الناتج القومي لدول الخليج مجتمعة يعادل خمس مرات الناتج القومي لإسرائيل، وتعداد سكان الدول الخليجية يعادل ست مرات تعداد سكان إسرائيل، ومع ذلك، فهذه الدولة متفوقة على ملايير النفط والغاز علميا وتكنولوجيا وعسكريا، وقادرة على ضرب أي كان في أي مكان، وتهديد أي عاصمة عربية بالحديد والنار، بل جعلت العديد من دول الخليج، دول وظيفية لمصالحها في المنطقة، ويمكن الاعتداء علي أخرى كل ما دعت الضرورة كما حصل مع قطر.
ورغم وجود اتفاقية دفاع مشترك لدول التعاون لدول الخليج العربي وُقعت سنة 2000م إلا أن هذه الاتفاقية لا تساوي الحبر ولا الأقلام الذهبية التي وُقعت بها، فلا أحد سيدافع عن قطر من صواريخ إسرائيل وقبلها إيران، كما لن يتحرك جندي خليجي واحد، ولن يُصرف دولار واحد للدفاع عن أي دولة خليجية من دولة خليجية شقيقة إلا لتدميرها!
وهذا هو الحال!



