عقدنا اجتماعا طارئا لبحث الخطوات القانونية والإجرائية ضد هذه الاتهامات – الصحيفة

admin29 أكتوبر 2025آخر تحديث :
عقدنا اجتماعا طارئا لبحث الخطوات القانونية والإجرائية ضد هذه الاتهامات – الصحيفة


تحوّل تصريح النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة أحمد التويزي، إلى عاصفة سياسية وإعلامية غير مسبوقة بعدما اتهم بعض شركات الدقيق بـ”طحن الورق وتقديمه للمواطنين على أنه دقيق مدعم”، في إشارة إلى اختلالات مفترضة في منظومة دعم القمح.

هذا التصريح الصادم لم يمرّ مرور الكرام، بل أثار ردود فعل غاضبة في أوساط الفاعلين الاقتصاديين والمهنيين، وفتح باب التساؤلات حول صدقية الاتهام وأبعاده السياسية في لحظة حساسة تسبق التصويت على قانون المالية لسنة 2026.

تصريحات التويزي، التي بثت على الهواء داخل قبة البرلمان، سرت في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، وتحولت خلال ساعات إلى قضية رأي عام لأنها لامست أحد أكثر الملفات حساسية في المغرب وهي غذاء المواطنين وأمنهم الغذائي.

رئيس الفيدرالية الوطنية للمطاحن عبد القادر العلوي، لم يتأخر في الرد ففي تصريح لـ”الصحيفة”، وصف كلام التويزي بأنه بالخطأ غير المغفور الذي يسيء لقطاع وطني حيوي، معتبرا أن تصريحات من هذا النوع تضرب في مصداقية صناعة تؤمن خبز المغاربة منذ عقود.

وكشف العلوي أن الفيدرالية ستعقد اجتماعا طارئا لمكتبها الوطني لبحث الخطوات القانونية والإجرائية ضد هذه الاتهامات، مؤكدا أن الهيئة تحتفظ بحقها في الرد بجميع الوسائل التي يتيحها القانون.

العلوي أوضح أن ما ورد على لسان البرلماني “غير منطقي ولا يقبله العقل أو الواقع موضحاً بالأرقام أن المبلغ الذي أشار إليه النائب (16,8 مليار درهم) يعادل 60 مليون قنطار من القمح الطري، وهو رقم ضخم يكفي لتأمين استهلاك المغاربة من الخبز لأكثر من سنة كاملة ونصف. 

وأضاف: “من المستحيل الحديث عن طحن الورق بهذا الحجم من الدعم، لأن الكميات التي تدخل إلى المطاحن خاضعة للمراقبة ولها مسار محكم من الشراء إلى التسويق”.

وفي توضيحاته، أكد العلوي أن الدعم الذي أشار إليه التويزي لا يُمنح أصلا للمطاحن، بل يوجَّه للمستوردين لتغطية الفارق بين سعر الاستيراد وسعر البيع المحدد بـ172 درهما للقنطار، حتى لا يتحمل المستهلك الزيادة في الأسعار وأضاف أن هذا الدعم تم توقيفه منذ ماي الماضي بعد تراجع الأسعار العالمية للحبوب.

 أما بالنسبة للدقيق المدعم، فقد شدد على أن ميزانيته لا تتجاوز 1.3 مليار درهم سنويًا، ويُوزَّع تحت إشراف ثلاث وزارات هي الفلاحة، والداخلية، والمالية، مع مراقبة دقيقة تشمل الإنتاج والنقل والتسليم.

العلوي ذهب أبعد من ذلك حين دعا من يشكك في جودة الدقيق إلى زيارة المطاحن بنفسه، قائلا: “أبوابنا مفتوحة أمام الجميع، ومن يريد أن يتأكد فليزر المطاحن ويرى كيف نعمل بدل إطلاق اتهامات غير مبنية على معطيات دقيقة”.

وفي مداخلته أمام لجنة المالية بمجلس النواب، يوم أمس الثلاثاء، قال التويزي إن “بعض شركات الدقيق تطحن الورق وتقدمه للمواطنين في إطار الدعم”، مؤكداً أن “طعم الدقيق المدعم في عدد من المناطق غير مستساغ”.

وأبرز رئيس فريق “البام” النيابي في الغرفة الأولى، أن الدعم العمومي المخصص للقمح، والذي يبلغ نحو 16 مليار درهم، لا يخضع للمراقبة الكافية، وأن جزءاً كبيرا منه يُهدر بسبب استفادة غير المستحقين، كما أن النائب ذاته دعا الحكومة إلى اعتماد مقاربة جديدة في توزيع الدعم عبر السجل الاجتماعي الموحد، مبرزا أن من الأفضل تمكين الأسر من تحويلات مالية مباشرة لاقتناء الدقيق والخبز والسكر بدل استمرار دعم يستفيد منه الأغنياء أكثر من الفقراء.

ومن جهة ثانية، سرعان ما أخذت القضية بعدا يتجاوز الجدال بين برلماني ومهنيين، إلى مواجهة بين سلطة تشريعية تمارس الرقابة، وقطاع اقتصادي يعتبر نفسه خط الدفاع الأول عن الأمن الغذائي فبينما يرى التويزي أن هدفه هو تنبيه الحكومة إلى مواطن الخلل في نظام الدعم وضمان وصوله إلى الفئات الهشة، تعتبر الفيدرالية أن كلامه “يمسّ بسمعة صناعة مواطنة” ويهدد ثقة المستهلكين في منتج أساسي.

وفي خلفية هذا السجال، يظهر البعد السياسي داخل الأغلبية الحكومية نفسها، إذ إن النائب المتحدث باسم حزب الأصالة والمعاصرة، أحد أركان التحالف الحاكم، وجّه سهامه نحو قطاع يخضع لوصاية وزارات يقودها حلفاؤه في الحكومة وهو ما أعطى للقضية طابعا داخليا يعكس التوتر الكامن داخل مكونات الأغلبية في سنة انتخابية تتهيأ فيها البلاد لاستحقاقات 2026.

الجدل أعاد إلى الواجهة ملف الدقيق المدعم، الذي ظل لعقود من أكثر الملفات حساسية في علاقة الدولة بالمواطنين، خاصة في القرى والمناطق الجبلية حيث يشكل المورد الغذائي الرئيسي للأسر الفقيرة.

ويطرح هذا الملف مجددا أسئلة عن فعالية أجهزة المراقبة، وعن مسار أموال الدعم العمومي الموجهة إلى الحبوب والقمح اللين، وعن مدى شفافية التوزيع لكن في المقابل، يحذر المهنيون من أن التعميم في الاتهامات دون أدلة يهدد استقرار قطاع يشغّل آلاف العمال ويؤمن جزءا كبيرا من حاجيات السوق الوطنية.

و”طحن الورق”، كانت العبارة التي أثارت موجة من السخرية والغضب في آن واحد، بين من رأى فيها استعارة للتعبير عن تدهور جودة الدقيق، ومن اعتبرها إساءة صريحة للقطاع، وبينما ينتظر أن تعقد الفيدرالية اجتماعها وتصدر بيانها الرسمي، بدأ نواب آخرون يطالبون بفتح تحقيق برلماني لتوضيح الحقيقة، معتبرين أن المسألة “تخص الأمن الغذائي الوطني ولا يمكن السكوت عنها”.

والقضية التي انفجرت تحت قبة البرلمان تحولت إلى اختبار لمصداقية الخطاب السياسي أمام الرأي العام، وأظهرت هشاشة العلاقة بين الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات التشريعية حين تختلط الرقابة بالاتهام وحتى يُعاد الهدوء إلى هذا الملف، يبقى السؤال الأهم مطروحا هل نحن أمام تصريح انفلاتي يعكس سوء تقدير من برلماني، أم أمام جرس إنذار حقيقي حول اختلالات في منظومة الدعم الغذائي؟.



Source link

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة