وجهت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان مذكرة تفصيلية إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، دعت فيها إلى التخلي عن إشراف وزارته على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وإحداث هيئة وطنية مستقلة تعهد إليها مسؤولية تدبير مختلف مراحل المسلسل الانتخابي، في خطوة تنضم بها هذه الهيئة المدنية إلى عدد من الأحزاب السياسية التي رفعت المطلب ذاته خلال المشاورات الأخيرة حول تعديل القوانين الانتخابية.
وقالت العصبة في المذكرة التي توصلت “الصحيفة” بنسخة منها، إن إشراف هيئة مستقلة على العملية الانتخابية يشكل مدخلا أساسيا لاستعادة الثقة الشعبية وضمان الحياد، مشيرة إلى أن وزارة الداخلية، رغم دورها المحوري، تبقى طرفا يصعب فصله عن الاعتبارات السياسية والتاريخية المرتبطة بملف الانتخابات في المغرب.
وفي محور التقطيع الانتخابي، اقترحت العصبة الحقوقية إحداث لجنة مستقلة تضم شخصيات نزيهة وكفؤة، بعيدة عن التأثيرات الحزبية، تكون مهمتها وضع خريطة انتخابية قائمة على معايير قانونية وموضوعية، كالمساواة في التمثيل والتجانس الديمغرافي والجغرافي، مع إلزامية مراجعة التقطيع بعد كل إحصاء سكاني.
وشددت المذكرة على ضرورة إشراك الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والخبراء والجمهور في مشاورات عمومية قبل أي عملية تقطيع انتخابي، تفاديا لأي اتهامات بالتحكم أو الانحياز.
أما بخصوص شروط الترشح، فقد دعت العصبة إلى حرمان المدانين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ وتبديد المال العام من خوض الانتخابات، حتى بعد رد الاعتبار، مع إلزام الأحزاب بميثاق أخلاقي يمنع تزكية المتورطين، وربط الدعم العمومي باحترام هذا الالتزام.
وطالبت المذكرة بفرض التصريح بالممتلكات والمداخيل على المترشحين وأسرهم ونشرها للعموم، مع وضع آليات تحقق وعقوبات صارمة، فضلا عن تعزيز الكفاءة العلمية والمهنية كشرط للترشح، وتمكين القضاء من آليات الطعن في أهلية المترشحين.
وفي باب تعزيز التمثيلية، أوصت العصبة بالرفع من نسبة المقاعد المخصصة للنساء تكريسا للمناصفة الدستورية، وخفض سن الترشح للشباب مع دعم اللوائح المخصصة لهم، وتخصيص مقاعد للأشخاص في وضعية إعاقة، إضافة إلى تمكين مغاربة العالم من تمثيل مباشر عبر دوائر بالخارج أو مقاعد مخصصة، وتسهيل عملية التصويت سواء في القنصليات أو عبر البريد أو إلكترونيا.
كما اقترحت في ما يتعلق بالحملات الانتخابية، وضع سقف مالي معقول للمصاريف مرتبط بحجم الدوائر، وإلزام المرشحين بفتح حساب بنكي خاص بالحملة وتقديم تقارير مفصلة للمجلس الأعلى للحسابات، مع تجريم استعمال الأموال المشبوهة والهبات مجهولة المصدر، ونشر لوائح المساهمين في التمويل ضماناً للشفافية.
ولفتت المذكرة إلى أهمية تنظيم مناظرات علنية بين المرشحين على قنوات الإعلام العمومي لضمان نقاش ديمقراطي، مع آلية مستقلة لمحاربة الأخبار الزائفة والدعاية المضللة التي تؤثر على اختيارات الناخبين.
وفي ما يخص مكافحة الفساد الانتخابي، طالبت العصبة بتجريم أشد لشراء الأصوات واستعمال المال، وإنشاء فرقة أمنية وقضائية خاصة بجرائم الانتخابات، وتمكين المواطنين من التبليغ عن التجاوزات مع ضمان حمايتهم.
وأكدت المذكرة أن إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، مع إشراك القضاء والمجتمع المدني في الرقابة، من شأنه أن يعزز نزاهة العمليات الانتخابية، داعية إلى نشر تقارير الخروقات للعموم تعزيزا للشفافية.
كما دعت إلى تحديث ورقمنة المسار الانتخابي من التسجيل إلى التصويت وإعلان النتائج، واعتماد البطاقة الوطنية البيومترية، مع دراسة إمكانية إدخال التصويت الإلكتروني التدريجي وفق ضمانات أمنية عالية.
وتأتي هذه المذكرة الحقوقية في سياق نقاش سياسي واسع تشهده الساحة المغربية، بعد أن قدمت مختلف الأحزاب السياسية بدورها مقترحاتها إلى وزارة الداخلية بشأن تعديل القوانين الانتخابية، حيث برز شبه إجماع على القطع مع “وجوه الفساد”، مقابل انقسام واضح حول مسألة إشراف الداخلية على الانتخابات أو إسنادها لهيئة مستقلة.
ويرى مراقبون أن اتساع رقعة المطالب الداعية لإحداث هيئة انتخابية مستقلة يعكس ضغطاً اجتماعياً متزايداً لاستعادة الثقة في المسلسل الديمقراطي، لكن مصير هذه المطالب يبقى رهيناً بمدى تجاوب وزارة الداخلية مع الدينامية السياسية والمدنية الحالية، وما إذا كانت ستتجه نحو إقرار تحول جوهري في قواعد اللعبة الانتخابية.



