دخل القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب حيز التنفيذ، بعدما استكمل أول أمس الأربعاء ستة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية، في خطوة تعتبرها الحكومة استكمالا لمنظومة القوانين التنظيمية المرتبطة بالدستور، فيما ترى فيها المركزيات النقابية تهديدا مباشرا لمكتسبات الشغيلة، متوعدة بالتصعيد سواء عبر المنظمات الدولية أو من خلال الشارع، إذا ما تم استعمال هذا النص لتكبيل حق الإضراب وتحويله من آلية نضالية إلى أداة للضغط على العمال والموظفين.
القانون الجديد، الذي أثار منذ طرحه نقاشا محتدما داخل الساحة الوطنية، يُعتبر أول نص تشريعي ينظم بشكل تفصيلي ممارسة الإضراب في المغرب، بعدما ظل هذا الحق مؤطرا فقط بالفصل 29 من دستور 2011، الذي يضمن حرية الإضراب مع الإحالة على قانون تنظيمي لتحديد شروطه وكيفياته ومع دخوله حيز التنفيذ، أصبح المغرب أمام إطار قانوني ملزم غير أن الجدل حول مضامينه لا يزال مشتعلا، خصوصا من طرف النقابات التي ترى أن العديد من المقتضيات الواردة فيه لا تحترم المعايير الدولية للعمل، وعلى رأسها اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صادق عليها المغرب.
ويتضمن القانون جملة من المقتضيات المثيرة للجدل، من بينها ضرورة توجيه إشعار مسبق بالإضراب، يحدد مدته وقطاعه والهيئة الداعية إليه، مع فرض آجال محددة لهذا الإشعار تختلف حسب طبيعة القطاع، وهو ما تعتبره النقابات قيدا غير مبرر على حرية اللجوء إلى الإضراب كما ينص القانون على إلزامية استمرار الحد الأدنى من الخدمات في قطاعات حيوية، مثل الصحة والنقل والماء والكهرباء، تحت طائلة المسؤولية، وهو إجراء ترى فيه المركزيات النقابية محاولة لتفريغ الإضراب من قوته وتأثيره.
إلى جانب ذلك، يضع النص مقتضيات زجرية في حق الأجراء أو النقابات في حالة مخالفة الشروط المسطرة، إذ يجيز للمشغل أو السلطات القضائية الطعن في شرعية الإضراب، بل واعتباره تعسفيا في بعض الحالات، وهو ما يفتح الباب أمام متابعة المضربين إداريا أو قضائيا، ويمنح هامشا واسعا لتأويل النصوص على حساب الشغيلة.
النقابات، وفي مقدمتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، اعتبرت أن تنزيل القانون بصيغته الحالية لن يوقف الاحتجاجات، بل سيزيد من حدتها، مشددة على أن المعركة النضالية ستتواصل دفاعا عن الحق في الإضراب باعتباره مكتسبا تاريخيا للشغيلة المغربية. وفي هذا السياق، أكد يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية، في تصريح لـ “الصحيفة”، أن “القانون لا يحترم المرجعيات الدولية ويحتوي على مضامين مقيدة تكبل ممارسة الحق في الإضراب”، مضيفا أن الكونفدرالية ستواصل معركتها في الشارع، وأمام المنظمات الدولية، لإبطال ما وصفه بـ “المساس بحرية العمال”.
وبالنسبة للحكومة، فإن هذا القانون يأتي لتأطير ممارسة الحق في الإضراب وضمان توازنه مع حقوق باقي الفئات، خاصة أرباب العمل والمواطنين المرتبطين بخدمات حيوية، معتبرة أن الهدف هو “وضع حد للفوضى التي تعرفها بعض الإضرابات العشوائية وغير المنظمة، والتي تضر بالاقتصاد الوطني وبمصالح المواطنين”.
غير أن الممارسة الميدانية وفق مراقبين، ستكون المحك الحقيقي لهذا القانون حيث سيظهر مدى قدرته على فرض التوازن بين حق دستوري منصوص عليه وبين استمرارية المرافق العمومية والخاصة، خصوصا في ظل الأجواء الاجتماعية المشحونة والاحتجاجات المتكررة في قطاعات متعددة فالنص، وإن دخل حيز التنفيذ رسميا، فإنه يفتح مرحلة جديدة من شد الحبل بين الحكومة والمركزيات النقابية، ويضع العلاقة بين الطرفين أمام اختبار غير مسبوق عنوانه كيف يُمارس حق الإضراب في المغرب دون أن يتحول إلى مصدر لتأجيج الأوضاع الاجتماعية أو أداة لتكبيل صوت الشغيلة.
وفي هذا الإطار، قال يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح لـ “الصحيفة”، إن دخول القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب حيز التنفيذ لن يغير من موقف الكونفدرالية الرافض له، مؤكدا أن هذا القانون “لا ينسجم مع المرجعيات الدولية ولا يحترم التزامات المغرب في مجال الحقوق والحريات النقابي ويتضمن مضامين مقيدة تكبّل ممارسة هذا الحق الدستوري وتفرغه من محتواه النضالي”.
وأضاف فيراشين في حديثه لـ “الصحيفة” أن موقف الكونفدرالية “ثابت وواضح منذ البداية”، مشددا على أن “تنزيل القانون التنظيمي لن يوقف مسارنا النضالي بل العكس سنستمر في الدفاع عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة بكل الوسائل المشروعة سواء عبر التعبئة في الشارع أو من خلال مخاطبة المنظمات والهيئات الدولية التي تتابع أوضاع الحقوق النقابية في المغرب”.
وأوضح المسؤول النقابي أن الكونفدرالية “مقتنعة بأن أي محاولة لفرض قانون على الشغيلة دون توافق مسبق ودون إشراك حقيقي للنقابات سيظل قانونا أعور، يفتقد للمشروعية الاجتماعية”، مضيفا أن “الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مدن ومناطق مختلفة بالمملكة أكبر دليل على أن تمرير هذا القانون لن يوقف الحركات الاحتجاجية، ولن يثني الشغيلة عن مواصلة معركتها دفاعا عن مصالحها”.
وتابع فيراشين قائلا: “إذا كان هناك من يعتقد أن دخول القانون التنظيمي حيز التنفيذ سيضع حدا للاحتجاجات فهو واهم لقد رأينا كيف خرجت فئات متعددة في القطاعين العام والخاص، إلى الشارع مؤخرا، تعبيرا عن رفضها لسياسات تراجعية تستهدف مكتسباتها وهذا يبرهن على أن روح النضال لا يمكن كسرها بمجرد قانون”.
وختم عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالتأكيد على أن “القانون لن يوقفنا عن الاستمرار في برامجنا النضالية وسنظل منخرطين في كل المعارك التي تصون كرامة الشغيلة وتواجه السياسات التي تحاول التضييق على حقوقها الأساسية”.



