اعترفت جبهة البوليساريو رسميا بأن القوات المسلحة الملكية المغربية بسطت سيطرتها على مساحة تقدر بنحو 40 كيلومترا مربعا داخل المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي، في إقرار مباشر ورد في رسالة وجهها زعيم الجبهة الانفصالية إبراهيم غالي إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الأربعاء 22 أكتوبر الجاري.
ووفق نص الرسالة، تحدث زعيم جبهة البوليساريو عن “إقامة سد رملي جديد بطول يقارب 20 كيلومترا في منطقة الكركرات، وتعزيز الوجود العسكري المغربي على مساحة تبلغ نحو 40 كيلومترا مربعا ضمن المنطقة العازلة”، في إشارة واضحة إلى توسع ميداني جديد للمغرب، وهو إعتراف يؤشر على تغير لافت في الوضع الميداني شرق الجدار الرملي، بعد سنوات من الخطاب الدعائي الذي تبنته الجبهة حول ما تصفه بـ“المناطق المحررة”.
ويأتي هذا الاعتراف بعد معطيات سابقة من داخل الجبهة نفسها، إذ كان ممثلها في نيويورك قد أقر خلال اجتماع مغلق للأمانة العامة عقد مطلع يناير 2025 بأن القوات المسلحة الملكية استعادت منذ 13 نونبر 2020 نحو أربعين كيلومترا مربعا من الأراضي، وهي المساحة نفسها التي تحدث عنها غالي في مراسلته الأخيرة.
وتتزامن هذه المستجدات مع اقتراب موعد مناقشة مجلس الأمن الدولي لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة في 31 أكتوبر الجاري، والذي يتضمن معطيات ميدانية حساسة أبرزها حادث سقوط أربعة صواريخ قرب موقع تابع لبعثة “المينورسو” بمنطقة السمارة في 27 يونيو الماضي، أحدها على بعد 200 متر فقط من منشأة أممية.
وأكد التقرير أن الصواريخ أطلقت من مناطق تقع شرق الجدار الرملي، وهو ما دفع الممثل الخاص للأمين العام إلى توجيه رسائل احتجاج إلى قيادة البوليساريو محذرا من مخاطر التصعيد.
وأشار التقرير أيضا إلى أن الجبهة مازالت تمنع منذ نونبر 2020 طلعات المروحيات التابعة لبعثة المينورسو شرق الجدار، ما يحدّ من قدرتها على المراقبة الميدانية المستقلة، في المقابل، نقل التقرير ملاحظات القيادة العسكرية المغربية التي وصفت حادث إطلاق الصواريخ بأنه “عمل عدائي يستهدف البعثة الأممية نفسها”.
ويعكس المشهد الميداني شرق الجدار الرملي، تحولا تدريجيا يعزز تموضع المغرب كطرف ممسك بزمام المبادرة على الأرض، مقابل استمرار الجبهة في فقدان مواقعها الميدانية وتراجع حضورها في المعادلة السياسية، ومع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن، ينتظر أن يشكل تقرير غوتيريش مؤشرا على توجه جديد للأمم المتحدة في التعاطي مع النزاع، يقوم على الواقعية والموازنة بين التطورات الميدانية والخيارات السياسية المطروحة.
ويُعتبر الجدار الرملي، الذي شيّدته القوات المسلحة الملكية بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني خلال ثمانينيات القرن الماضي، واحدا من أهم المنشآت الدفاعية، حيث يمتد على طول يفوق 2360 كيلومترا بارتفاع يصل إلى ستة أمتار، ويمثل خطا فاصلا بين المناطق التي يسيطر عليها المغرب غرباً وتلك التي تنشط فيها عناصر جبهة البوليساريو شرقا.
وقد ساهمت الولايات المتحدة الأمريكية في دعمه تقنياً ولوجستيا، إذ زُوّد الجدار بمنظومات مراقبة متطورة ومدفعيات وأحزمة ألغام، جعلت منه حاجزا يصعب اختراقه، ووفّرت حماية فعالة للقوات المغربية المرابطة في الأقاليم الجنوبية.
وأفضى تشييد الجدار إلى تغيير جذري في موازين القوى الميدانية، بعدما حال دون تسلل وحدات البوليساريو إلى داخل التراب المغربي، ما دفع الجبهة إلى قبول وقف إطلاق النار سنة 1991 والدخول في مسار تفاوضي تحت إشراف الأمم المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، ثبّت الجدار واقعا ميدانيا يقسّم المنطقة إلى جزأين، مناطق مغربية آهلة بالسكان غرب الجدار، وأخرى شبه خالية شرق الجدار تُعرف ب”المنطقة العازلة”، تشرف عليها بعثة المينورسو المكلفة بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار والسهر على الحفاظ على الاستقرار الميداني.



