عندما عُرض مشروع القرار الجديد بخصوص الصحراء على التصويت، يوم 31 أكتوبر 2025، بما يتضمنه من تبنٍّ لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، كانت هناك 3 دول إفريقية تتوفر على العضوية غير الدائمة، ويتعلق الأمر، إلى جانب الجزائر، التي انسحبت من العملية، بكل من الصومال وسيراليون، وكلا البلدين صوتا لصالح القرار.
هذا المشهد، يعكس نسبيا ما يحدث داخل الاتحاد الإفريقي، الفضاء الوحيد الذي لا زالت تعتمد عليه “البوليساريو” لخلق “شرعية الاعتراف” بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، رغم أن جل الدول الإفريقية الأعضاء لا تعترف بهذا الكيان، في حين أن 75 في المائة من بلدان القارة تساند مقترح الحكم الذاتي المغربي، وهو أمر أشار إليه الملك محمد السادس، في خطاب افتتاح الدورة التشريعية أمام البرلمان بمجلسيه، بتاريخ 12 أكتوبر 2024.
وأصبح الاتحاد الإفريقي، بعد المسار الذي تبناه مجلس الأمن، أمام امتحان قانوني، على اعتبار أنه يمنح الاعتراف لـ”دولة” لا تعترف بها الأمم المتحدة من جهة، كما أن الاتجاه الواقعي الذي باتت تتبناه هذه الأخيرة رسميا من أجل حل النزاع في الصحراء، ينطلق أساسا من السيادة المغربية على الأقليم الجنوبية.
وعمليا، فإن استمرار الاتحاد الإفريقي في الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، أضحى يعاكس المسار الذي تتبناه الأمم المتحدة، والذي سيعمل على أساسه الأمين العام ومبعوثه الشخصي، من أجل التفاوض على حل نهائي لهذا الملف الذي عمر 50 عاما.
لكن الأمر الذي يجب تصحيحه، هو أن الاتحاد الإفريقي أضحى يعطي الشرعية لكيان غير مُعترف به، يريد إقامة “دولته” على أراضي دولة أخرى، تتمتع بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كما في المنظمة القارية التي عادت إليها رسميا سنة 2016، بعدما غادرتها سنة 1984، احتجاجا على قبول عضوية “الجمهورية الصحراوية”، في فترة كانت فيها المنظمة ترضخ لتجاذبات الحرب الباردة.
وتتوفر 22 دولة إفريقية على قنصليات في مدينتي الداخلة والعيون من أصل 54 دولة من دول الاتحاد الإفريقي، أي 40 في المائة، بمعنى أن هذه البلدان لا تعترف أساسا بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” ولا تقيم أي علاقات دبلوماسية معها، وضمن القائمة نجد السنغال والكوت ديفوار والغابون وتشاد وزامبيا وبوركينافاسو والكونغو الديمقراطية، وهو ضعف عدد الدول التي لا زالت تعتمد “سفراء” لدى “البوليساريو”.
لكن هذا الأمر لا يعني أن دعم الطرح المغربي يقتصر فقط على البلدان التي لها قنصليات في مدن الصحراء، فالعديد من الدول الأخرى عبرت عن هذا التوجه دون افتتاح تمثيليات دبلوماسية هناك، مثل غانا وكينيا والصومال، في حين أن هناك توجه آخر يعبر عن “احترام السيادة الترابية للمغرب” مع عدم الاعتراف بالبوليساريو، دون إعلان دعم مبادرة الحكم الذاتي، وتتبناه أساسا مصر ومالي.
والملاحظ أن العديد من الدول التي كانت تقليديا تدعم جبهة “البوليساريو”، غيرت مواقفها بشكل متباين في السنوات الأخيرة، سواء عبر إعلان دعم الطرح المغربي صراحة، مثل غانا وكينيا، أو إدخال هذا الموقف في حالة “جمود”، مثل نيجيريا وإثيوبيا، ويعود ذلك أساسا إلى تنامي مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية مع الرباط.
والثابت، أن المغرب، الذي قرر العودة إلى مقعده الإفريقي قبل 9 سنوات، من أجل إنهاء سياسة “الكرسي الفارغ” والمشاركة في صناعة القرار بين أروقة الاتحاد الإفريقي، سيعمل على إيصال صدى قرار مجلس الأمن 2797 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2025، إلى داخل المنظمة، وذلك في سياق سعيه غير الخفي من أجل إخراج “البوليساريو” منها.



