لم تكن القمة الأخيرة لمجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية “سادك”، التي انعقدت يوم 17 غشت المنصرم في العاصمة الملغاشية أنتاناناريفو، مجرد لقاء اقتصادي إقليمي روتيني، بل تحولت أشغالها، وفق ما أوردته مصادر دبلوماسية، إلى “ساحة مواجهة سياسية صريحة” بين خصوم وأصدقاء المغرب.
ووفقا لما كشفته مجلة “أفريكا إنتليجنس”، فقد شهدت القمة مواجهة بين محورين، الأول مقتنع بشرعية الموقف المغربي ويدعو إلى إبقاء نزاع الصحراء ضمن مسار الأمم المتحدة، والثاني ما يزال متشبثا بخطاب جبهة “البوليساريو” الانفصالية تحت ضغط قادة جنوب إفريقيا وحلفائها التقليديين.
وخلال القمة، يضيف المصدر ذاته، برز الدور اللافت لكل من ملك إسواتيني مسواتي الثالث، ورئيس الوزراء الموريسي نافينتشاندرا رامغولام، والرئيس الملغاشي أندري راجولينا، الذين حاولوا التصدي لمحاولات بعض القادة الدفع بـ”سادك” نحو مواقف منحازة لأطروحة “البوليساريو”.
وشدد حلفاء المغرب داخل المنظمة على أن نزاع الصحراء يتجاوز الإطار الجغرافي لـ”سادك”، وأن أي انخراط مباشر للمنظمة في دعم أحد الأطراف سيضعف صورتها كفضاء للتعاون الاقتصادي، ويجرها إلى نزاع سياسي مُعقد يخضع لمسار أممي واضح، كما نبهوا إلى أن مدغشقر، باعتبارها دولة مضيفة للقمة، ستكون أول المتضررين من أي انزلاق سياسي، سواء على مستوى صورتها الدبلوماسية أو جاذبيتها للاستثمارات المرتبطة بعلاقاتها مع المغرب.
في المقابل، قادت جنوب إفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق، بدعم من رئيسة ناميبيا، مساعي حثيثة لإعادة التأكيد على “موقف سادك التقليدي” الداعم للجبهة الانفصالية. هذا المحور استند إلى خلفية تاريخية تعود إلى زمن “حركات التحرر الإفريقية” في سبعينيات القرن الماضي، حين تبنت “سادك” مواقف تضامنية مع الجبهة باعتبارها جزءاً من سردية “حق الشعوب في تقرير المصير”.
ورغم الضغوط، لم يتمكن هذا المعسكر سوى من تمرير “فقرة يتيمة” في البيان الختامي، تنص على “إعادة تأكيد تضامن القمة مع شعب الصحراء في سعيه لتقرير المصير”، مع الترحيب باتفاقية موقعة بين سادك والكيان المعلن من طرف “البوليساريو” في أبريل الماضي.
غير أن هذه الصياغة تبقى أقرب إلى “تنازل شكلي” لتفادي مزيد من التوتر بين الأعضاء، إذ لم تقترن بأي إجراءات عملية، كما أنها لا تختلف في جوهرها عن بيانات سابقة درجت المنظمة على إصدارها منذ سنوات دون أن يكون لها أثر في موازين النزاع أو في مسار الأمم المتحدة.
ولطالما شكل ملف الصحراء نقطة انقسام داخل “سادك”، فمنذ سنة 2004، وبدفع من جنوب إفريقيا، دخلت المنظمة في مسار سياسي متذبذب تراوح بين محاولات الانخراط المباشر في النزاع وبين الاكتفاء بمواقف رمزية، غير أن التطورات التي شهدها الملف خلال العقد الأخير، خاصة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سنة 2020، ونجاحات المغرب في نسج شراكات إفريقية جنوب – جنوب، أعادت تشكيل موازين القوى داخل القارة، وهو ما انعكس بوضوح على مواقف وقرارات المجموعة.



