مع انطلاق كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، تتحول البطولة إلى أكثر من مجرد منافسة رياضية. فهي فرصة للدولة لاستعراض قدرتها على تنظيم حدث قاري ضخم، وتعزيز حضورها في المشهد الإفريقي بطريقة ناعمة وغير رسمية، بعيدًا عن خطابات سياسية مباشرة أو استعراضات دبلوماسية تقليدية.
الملاعب، الشوارع، والساحات تتحول إلى مساحات تواصل رمزية تعكس صورة المغرب كدولة قادرة على الجمع بين الاحتفاء بالثقافة الرياضية والإظهار العملي للقدرة التنظيمية.
قال عبد العالي سرحان، الباحث في العلوم السياسية: “تنظيم كأس إفريقيا في المغرب يمثل أداة ناعمة للسياسة
الخارجية، تعكس قدرة الدولة على إعادة تشكيل صورتها الإقليمية.
واعتبر المتحدث أن الحدث ليس مجرد مناسبة رياضية، بل منصة لإعادة تأكيد الدور المغربي كفاعل مؤثر في الشؤون الإفريقية، عبر أدوات غير تقليدية تعتمد على التجربة الحسية للمشاركين والزوار أكثر من الخطابات الرسمية”.
وأضاف في تصريح لجريدة مدار21 الإلكترونية: “هذا الأسلوب يعكس تحوّلًا في مفهوم القوة الناعمة، حيث يصبح التنظيم الجيد والاحتفاء الثقافي وسيلة لإرساء الثقة والمصداقية”.
وسجل سرحان أن التحرك المغربي في هذا السياق يبرز أهمية الاستراتيجية الرمزية في السياسة الإقليمية، مؤكدًا أن الحدث يمكّن المغرب من إرسال رسائل ضمنية للدول الإفريقية مفادها أن الدولة قادرة على القيادة والابتكار دون الحاجة إلى استعراض القوة التقليدية.
واعتبر أن هذا النهج يعزز موقع المغرب التفاوضي في الملفات الإقليمية، ويضعها في قلب الشبكات الدبلوماسية الشعبية والثقافية، وهو أمر غالبًا ما يكون أكثر تأثيرًا من الاتفاقيات الرسمية الباردة.
ولفت الباحث في العلوم السياسية إلى أن الجانب الداخلي للسياسة أيضًا لا يمكن تجاهله، موضحًا أن تنظيم البطولة يخلق حالة من الوحدة الوطنية حول مشروع جماعي، حيث تصبح المدن والمجتمع المدني جزءًا من تجربة تواصلية تؤكد على الكفاءة والقدرة التنظيمية للدولة.
وأبرز في السياق ذاته أن هذا النوع من المشاريع يعيد توزيع رمزية السلطة، من خلال إشراك فئات متعددة في صناعة صورة الدولة، وهو ما يعزز الشرعية الاجتماعية والسياسية للنخب الحاكمة ويزيد من قدرتها على استثمار الإنجازات الرمزية في المشهد الداخلي.
وخلص إلى أن هذه التجربة تكشف عن تحول في فهم العلاقات الدولية داخل القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن المغرب يبرهن أن النفوذ لا يُقاس فقط بالقوة الاقتصادية أو العسكرية، بل بالقدرة على خلق تجارب مشتركة تُبرز التعاون والانفتاح.
وختم حديثه بالقول إن كأس إفريقيا هنا تصبح نموذجًا عمليًا لتجربة دبلوماسية من نوع جديد، حيث تُمارس السياسة عبر الثقافة، التنظيم، والتفاعل المباشر مع الشعوب، وهو ما قد يشكل مرجعية لدول أخرى تسعى لإعادة صياغة حضورها الإقليمي بطرق أقل تقليدية وأكثر واقعية.



