مع تبقي حوالي 11 شهرا فقط على الاستحقاقات الانتخابية التشريعية لسنة 2026، انتقل هذا الملف إلى صدارة الأولويات لدى الملك محمد السادس، الراغب في أن تكون المحطة القادمة نقطة تحول في إفراز نخب سياسية قادرة على التماشي مع التحولات الكبرى التي تعرفها المملكة، في أفق سنة 2030، وهو ما يفسر أن هذا الملف كان من بين الملفات التي ناقشها بالتفصيل المجلس الوزاري ليوم أمس الأحد.
العاهل المغربي تداول أمس في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، في سياق تكليف وزارة الداخلية بالتحضير للانتخابات التشريعية القادمة منذ خطاب الذكرى السادسة والعشرين لاعتلائه العرش، أواخر يوليوز الماضي، ليتم الحسم في العديد التوجهات التي تسرب خلال الأسابيع الأخيرة، أن الوثيقة الجديدة ستتضمنها، بما في ذلك إبعاد المتورطين في الفساد عن الترشيح.
ووفق ما أعلن عنه بلاغ الديوان الملكي، فإن مشروع القانون الجديد يهدف إلى “تخليق” الاستحقاقات التشريعية المقبلة وضمان سلامتها، وإفراز “نخب تحظى بالشرعية والثقة”، وذلك من خلال “تحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية في وجه كل من صدرت في حقه أحكام يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية”، وهي عبارات غير مسبوقة في تعامل القصر مع العملية الانتخابية.
وكان الديوان الملكي أكثر وضوحا وصراحة، حين شدد على ضرورة “اعتماد الحزم اللازم لاستبعاد كل من تم ضبطه في حالة التلبس بارتكاب أي جريمة تمس بسلامة العمليات الانتخابية”، وأيضا من خلال التأكيد على “تشديد العقوبات المقررة لردع كل المحاولات التي قد تستهدف سلامة العمليات الانتخابية في جميع أطوارها”.
والواضح أن مشاريع القوانين الجديدة، أعطت مكانة مركزية لتخليق الحياة العامة، عبر إرساء آليات وقائية متقدمة تروم استبعاد كل مترشح لا تتوفر فيه شروط النزاهة والاستقامة، وذلك قبل ولوجه غمار المنافسة الانتخابية، والمضي إلى الردع عبر اعتماد عقوبات أكثر صرامة في حق كل من يثبت تورطه في مخالفات انتخابية، سواء تعلق الأمر بشراء الأصوات أو بالتأثير غير المشروع على حرية الاختيار، حيث تم تشديد العقوبات الحبسية والمالية لضمان ردع فعلي يحمي إرادة الناخبين ويحافظ على مصداقية العملية الانتخابية.
مصدر سياسي تحدث إلى “الصحيفة”، شدد على أن هذه المقتضيات تبتغي التأكيد على أن “النزاهة ليست خيارا بل التزاما واجبا، وأن الدولة ماضية بثبات في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة في مختلف مراحل المسار الانتخابي، من الترشح إلى إعلان النتائج”، مضيفا أن القانون الجديد يجعل من تخليق الحياة السياسية “رهانا استراتيجيا يروم تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات، وإعادة الاعتبار لقيم الالتزام والمسؤولية في الممارسة السياسية”.
من ناحية أخرى، تحدث بلاغ الديوان الملكي عن تحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة، على ولوج الحقل السياسي، إذ يتوخى هذا المشروع مراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، وإقرار تحفيزات مالية مهمة لمساعدتهم على تحمل مصاريف الحملة الانتخابية، من خلال منحهم دعما ماليا يغطي 75 في المائة من مصاريف حملاتهم الانتخابية، كما يقترح تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية.
وعبر هذه الإجراءات، تبعث الدولة “رسالة ثقة إلى شباب الوطن”، وفق توصيف مصدر “الصحيفة”، مضيفا أنها تريد إفهامهم أن المشاركة السياسية “ليست امتيازا، بل حق وفرصة متاحة لكل من يملك الإرادة والقدرة على خدمة الصالح العام”، لكن إلى جانب ذلك تسعى أيضا إلى “تجديد النخب السياسية وضمان تداول فعلي للأفكار والكفاءات، بما يبث الحيوية والروح في الممارسة الديمقراطية”.
أما بخصوص مشاركة النساء، فتمثل تلك البنود، وفق تحليل المصدر نفسه “ترجمةً عملية لالتزام الدولة بالعدالة والمساواة، واعترافا صريح بالدور المحوري للمرأة المغربية في التنمية والقيادة، وصنع القرار العمومي، كما تحول المناصفة إلى “قدر” في سياق المسار الديمقراطي للمملكة، على اعتبار أن “تمكين النساء ليس شعارا ظرفيا، بل مسارا استراتيجيا يرسخ استدامة النموذج المغربي في الإصلاح والتحديث”.



