ثمّن الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء، واعتبره “فرصة تاريخية” لإنهاء صراع عقيم عطّل الاتحاد المغاربي لعقود، فيما وجه نداء مباشرا إلى النظام الجزائري بضرورة قبول مبادرة الحكم الذاتي المغربية، لما فيها من مصلحة حقيقية للشعب الجزائري سيما وأن استمرار تمويل جبهة البوليساريو يُبدّد طاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية هائلة كان الأجدر توجيهها لتنمية البلاد وخدمة المواطنين.
وشدد الرئيس التونسي السابق على أن تبنّي المقاربة المغربية للحكم الذاتي سيحوّل موارد الصراع إلى استثمارات مثمرة ويعيد للمنطقة المغاربية أفقها في بناء اتحاد قوي يقوم على التعاون بدل العداء.
المرزوقي، الذي يُعد أول رئيس منتخب ديمقراطيا بعد الثورة التونسية، قال في تصريح خصّ به “الصحيفة” إنه سعيد جدا بالقرار الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي لدعم التفاوض حول مقترح الحكم الذاتي كحل للنزاع في الصحراء تحت السيادة المغربية، مؤكدا أنه يُجسّد تحولا طال انتظاره نحو الواقعية السياسية، غير أن السياسي والمفكر التونسي لم يُخفِ أسفه العميق على كل هذا الوقت الضائع، قائلا: “إن المغرب قدّم مقترحه الجاد للحكم الذاتي منذ سنة 2007 دون أن يحظى آنذاك بالقبول الذي يستحقه”.
واستدرك الرئيس التونسي الأسبق قائلا: “أحس بالأسف لكل الوقت الذي سيضيع في حالة لم يقبل الأشقاء الجزائريون بهذا القرار وتنزيل هذه المبادرة المغربية التي هي، ووفق منظوري الشخصي في مصلحة الجميع، بمن فيهم أو في مقدمتهم الإخوة الصحراويون الذين يستطيعون العودة إلى وطنهم الأول الذي هو الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، ووطنهم الثاني الذي هو المغرب، ثم وطنهم الأكبر الذي هو الاتحاد المغاربي”.
وأوضح الرئيس التونسي الأسبق، في التصريح ذاته لـ”الصحيفة”، أن القرار الأممي لا يخدم المغرب وحده، بل يصبّ أيضا في مصلحة الجزائر وشعبها، لافتا إلى أن كل الاعتمادات المالية والسياسية والعسكرية التي استُنزفت في هذا الصراع كان يمكن أن تتحول إلى مشاريع تنموية ومنتجة تخدم الشعبين وتنعش اقتصادهما.
وأضاف المرزوقي، أن استمرار الجزائر في تحمّل أعباء نزاع لا يُفضي إلى نتيجة هو عبء ثقيل على مقدّراتها الوطنية، في حين أن تبنّي المبادرة المغربية من شأنه أن يخفّف عنها هذا الحمل ويمنحها موقع الشريك في بناء وحدة مغاربية متكاملة باتت لها ضرورتها القصوى، معتبرا في السياق ذاته أن طيّ صفحة الخلاف وفتح مسار التعاون سيعود بالنفع على المنطقة برمتها لأن إنهاء هذا النزاع هو المدخل الحقيقي لإحياء مشروع الاتحاد المغاربي الذي وصفه بـ”الضرورة القصوى” لمستقبل شعوب شمال إفريقيا عموما.
وجدّد الزعيم التونسي الأسبق، تأكيده على مطلبه القديم المتمثل في تمتيع شعوب المنطقة بالحريات الخمس، موضحا أن المقصود هو حرية التنقل، وحرية الاستقرار، وحرية العمل، وحرية الملكية، وحرية الانتخاب المحلي، باعتبارها الأسس الحقيقية لأي اتحاد فعلي بين دول المغرب العربي.
واعتبر أن تحقيق هذه الحريات سيُحدث تحولا استراتيجيا في مستقبل المنطقة، إذ سيساهم في بناء فضاء اقتصادي موحد يضم أكثر من مئة مليون مغاربي، ويمنح الاقتصاد الإقليمي قدرة أكبر على التوسع والاستقرار، ويفتح أمام الشباب آفاقا أرحب للتشغيل والتنمية.
وأعرب المرزوقي، بوصفه أحد أبرز الأصوات الداعية إلى تجاوز الخلافات المغاربية، عن أمله الصادق في أن يبادر “الأشقاء الجزائريون” وفق توصيفه إلى قبول هذا المقترح والعمل على إنجاحه، معتبرا أن ذلك لن يخدم فقط استقرار المنطقة، بل سيخفف أيضا من معاناته الشخصية.
وأوضح المفكر والرئيس التونسي الأسبق: “كثيرا ما اعتبر الجزائريون موقفي معاديا لهم بينما هو في جوهره موقف نابع من تحليل سياسي وقيمي، ومن محبة المصلحة العامة لا من معاداة الإخوة الجزائريين”. وختم تصريحه بالتعبير عن تطلعه إلى أن يُفعَّل القرار الأممي وتنزَّل مبادرة الحكم الذاتي على أرض الواقع، بما يفضي إلى تغييرات جذرية في المنطقة المغاربية ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والتكامل.
وكان الملك محمد السادس، في أول خطاب له بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء المغربية، قد وجّه رسائل واضحة حملت روح الانتصار الدبلوماسي والرغبة في طي صفحة التوتر الإقليمي، مؤكدا أن مرحلة ما بعد القرار يجب أن تكون مرحلة بناء الثقة والوحدة المغاربية، كما جدد العاهل المغربي، في خطابه الذي تميّز بنبرة تصالحية ومسؤولة، مدّ يده للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، داعيا إلى “حوار أخوي صادق بين المغرب والجزائر، يتجاوز الخلافات ويؤسس لعلاقات قائمة على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار”.
كما توجّه الملك بنداء إلى ساكنة مخيمات تندوف، داعيا إياهم إلى اغتنام الفرصة التاريخية للعودة إلى وطنهم الأم والمشاركة في تنمية أقاليمهم الجنوبية في إطار مبادرة الحكم الذاتي، مؤكّدا أن “جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف وإخوانهم داخل أرض الوطن”.
وشدّد الملك على أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي ليست فقط مشروعا سياسيا لحل النزاع، بل مشروعا إنسانيا ومغاربيا يهدف إلى إعادة لمّ شمل العائلات المفرقة، وإنهاء معاناة استمرت لعقود، وإطلاق دينامية جديدة نحو منطقة مغاربية متصالحة، مستقرة، ومتكاملة.



