في برنامج الدورة الستين لاجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والمنعقد في جنيف طيلة شهر، ما بين 8 شتنبر و8 أكتوبر 2025، لا يمكن العثور، ضمن برنامج الاجتماعات الرسمية، على أي شيء يهم قضية الصحراء، لكن مع ذلك، فإن الوفدين الدبلوماسيين المغربي والجزائري حاضران ضمن النقاشات، وممثلو جبهة “البوليساريو” الذين أتوا تحت يافطة “المنظمات غير الحكومية”، لا تكاد تخطئُهم العين.
في قصر الأمم بجنيف، الأمور المُهمة لا تُناقش فقط في الجلسات العامة وضمن جدول الأعمال الرسمي، فخلف القضايا الحقوقية تختبئ المعارك الدبلوماسية، وفي قضية الصحراء تحديدا، تصبح محافل مثل الاجتماعات الدورية لمجلس حقوق الإنسان، مسرحاً للتدافع بين طرح الوحدة الترابية ونظيره الانفصالي، جزءٌ كبير منها يجري في الكواليس، ليتحول في النهاية إلى مواقف وقرارات علنية.
منافسة موضوعها الصحراء
خلال سنة 2025، عقد مجلس حقوق الإنسان دورتين سابقتين، الأولى، وهي الثامنة والخمسون، كانت ما بين 24 فبراير و4 أبريل، والثانية، أي التاسعة والخمسون، كانت 16 يونيو و8 يوليوز، وخلال الدورتين استطاع المغرب جمع الدعم من 40 دولة من الدول الأعضاء، أعلنت مساندتها لمغربية الصحراء، وأشادت بـ”الانخراط الطوعي والعميق للمغرب في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان”، بما يشمل الأقاليم الصحراوية، وهي الخطوة التي تكررة للمرة الثالثة اليوم الثلاثاء.
هذه الخطوة، أبرزت العمل الديبلوماسي للرباط في أروقة الأمم المتحدة بجنيف، وانتهت إلى تشكيل ما يشبه مجموعةً دائمة لدعم الطرح المغربي، وفق توصيف مصادر مغربية تحدثت إليها “الصحيفة” خلال أشغال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، إذ كان وقع التصريح واضحا، خصوصا الأول، الذي تولى قراءته السفير الممثل الدائم للجمهورية اليمنية بمكتب الأمم المتحدة بجنيف، علي محمد سعيد مجاور، في مارس الماضي، بينما تولى نظيره المغربي عمر زنيبر، قراءة التصريح الثاني في يونيو.

ومرة أخرى، ستكرر الدبلوماسية المغربية العمل نفسه في أروقة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إذ سيتولى ممثل جمهورية إفريقيا الوسطى، في ثاني أيام الدورة الستين، قراءة بيان رسمي بالنيابة عن 40 دولة، خلال جلسة النقاش العام، المعلن عن دعم السيادة المغربية على الصحراء، ومساندة مقترح الحكم الذاتي باعتبارها “جادة وذات مصداقية”، مع دعم المسار الأممي وقرارات مجلس الأمن التي تعترف بـ”أولوية” المقترح المغربي.
الأمر إذا تحول إلى ما يشبه مُقارعة المجموعة الداعمة تقليديا لجبهة “البوليساريو” الانفصالية، والتي تبرز في مقدمتها الجزائرُ وجنوب إفريقيا، بواسطة مجموعة أخرى داعمة للمغرب أكثر عددا وأَقدر على التأثير، تشمل أساسا دول منطقة الخليج والعديد من الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية، التي لم تكتفِ فقط بالإشادة بالتعامل المغربي مع ملف حقوق الإنسان في الصحراء، لكنها أيضا رحبت بمسلسل افتتاح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة، رابطةً الأمر بالتنمية الاقتصادية للمنطقة.
تحركات موازية
كان من المتوقع إذن، أن تتحرك جبهة “البوليساريو” مُجددا داخل أروقة مجلس الحقوق الإنسان خلال دورته الحالية، لذلك كان هناك حضورٌ واضح لعناصرها منذ اليوم الأول، ومُحاولات مستميتة للاحتكاك مع المشاركين من مختلف الجنسيات، خصوصا المنتمين إلى الدول التي لم تحسم بعد مسألة دعم مقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، الذي باتت الرباط تُقدمه كمقترح وحيد للتفاوض.
لكن “البوليساريو” كانت تتحرك بطريقة أخرى موازية، تُنسق فيها مع الدول “الصديقة” لها، أغلبها إفريقيا وأمريكية لاتينية، وهي التي تدعم عادةً الطرح الانفصالي، وذلك لتنظيم ندوة موازية بعنوان “تكلفة تجاهل القانون الدولي في الصحراء الغربية بعد خمسين عاما”، وكانت تلكَ خطوةً سوقت من خلالها الجبهةُ لادعاءٍ مفاده أنها مُشاركة “بشكل رسمي” في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو تضليل موجهة أساساً للاستهلاك الداخلي، على اعتبار أن المواقع الرسمية داخل المنظمات الأممية محسومة سلفا.

والحقيقة التي تظهر بالعودة إلى المعطيات الرسمية للدورة الستين، هي أن الأمر خارج البرنامج الرسمي، ويتعلق بندوة مصنفة ضمن الأحداث الجانبية (Side events)، ولا تنظمها الأمم المتحدة كما لم تقدم أي دعوة لحضورها، لأن الجهة المنظمة، ببساطة، هي البعثة الدائمة لدولة تانزانيا، إلى جانب ما يسمى “مجموعة جنيف” الداعمة للطرح الانفصالي، والتي تضم 13 دولة أخرى، من بينها الجزائر وجنوب إفريقيا وكوبا وفنزويلا وزيمبابوي وبوتسوانا وتيمور الشرقية ونيكاراغوا.
الجزائر.. الأمر ونقيضه
وتحركات “البوليساريو” على غرار الندوة التي احتضنتها “الغرفة 5” في قصر الأمم، وهي قاعة صغيرة تتيح تنظيم أنشطة على شكل موائد مستديرة، ولا علاقة لها بالقاعة الرئيسية للاجتماعاتSalle des Assemblées، يتم تسويقها عبر وسائل الإعلام الجزائرية والمنصات التابعة للجبهة، بشكل تَحايُلي، يُظهر الأمر وكأنه حدثٌ رسمي ترعاه الأمم المتحدة.
والحقيقة، وفق ما عاينته “الصحيفة” في عين المكان، هو أنه خلال اليومين الأولين ناقشت المنظمات الأممية والوفود الدبلوماسية المشاركة قضايا تهم ميانمار وسريلانكا وأفغانستان والسودان والكونغو الديمقراطية، لكن لم يكن ملف الصحراء على جدول أعمالها، بل إن أبي بشرايا البشير، الذي زعمت “وكالة الأنباء” الخاصة بالجبهة أنه حضر بصفته “سفيرا وممثلا للبوليساريو لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف”، حضر اللقاء باسمه الشخصي فقط دون أن يُرافَق بأي صفة أخرى، أما باقي عناصرها، والذين ظلوا لصيقين يدبلوماسيين جزائريين، فيُشاركون ضمن ممثلي المنظمات غير الحكومية.
المثير للانتباه أيضا، أنه في اليوم الموالي، وبعدما كانت الجزائر مشاركة في الندوة، نظريا، ومؤطرة لأشغالها، عمليا، وداعمةً بكل الصيغ لانفصال الصحراء عن المغرب، كُلف ممثلها بإلقاء كلمة “المجموعة العربية”، خلال النقاشات التي تناولت الملف السوداني، ليتولى الدعوة إلى “عدم التدخل في شؤون السودان الداخلية”، والتعبير عن “رفض أي كيانات أو مجموعات تقوض استقراره ووحدة أراضيه”، وهو للمفارقة، الأمر نفسه الذي يطالب به المغرب الجزائر داخل الأمم المتحدة.