زنقة 20. الرباط
خلفت تصريحات البرلماني “عبد الله بوانو” التي إتهم فيها من قبة البرلمان وزيراً في الحكومة، ليسارع للتراجع عنها بعد تصاعد المطالب بتحقيق قضائي عاجل، ويصرح بكون شقيق الوزير وليس الوزير من يقف وراء شركة للأدوية، موجة من الجدل في الوسط السياسي الوطني المغربي.
هذه التصريحات التي تمس في الصميم هبة المؤسسة التشريعية وتطعن في ذمة عضو من أعضاء الحكومة دون أدلة وإثباتات، شكلت مادة دسمة للتداول على منصات التواصل الإجتماعي من قبل خبراء ومحامين ونشطاء، بينهم من سارع لجلد الوزير، وآخرون للتنويه بالبرلماني بوانو، قبل أن ينقلب سخر بوانو عليه، ليستدرك بشكل مضحك، أن الأمر لا يتعلق بوزير في الحكومة بل بشقيق الوزير.
المحامي والناشط الحقوقي البارز، شكيب الخياري، إعتبر في تدوينة تحليلية له، أن ما صدر عن البرلماني “بوانو” يرتقي إلى جريمة تتطلب تحقيقاً قضائياً.
الناشط والمحامي “الخياري” سجل بكون “متابعة البرلماني بوانو”، قد تكون قائمة في الحالات الآتية، بسبب أقواله في البرلمان :
ينص الفصل 64 من الدستور على ما يلي:
“لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ما عدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك”.
بالرجوع الى هذا النص الدستوري، يتبين ان الحصانة الموضوعية المقررة لاعضاء البرلمان مرتبطة حصرا بحالتين محددتين:
الاولى، ابداء الرأي خلال مزاولة المهام البرلمانية؛
والثانية، القيام بالتصويت في الاطار نفسه؛
مع استثناء صريح للحالات التي يمس فيها الرأي بالنظام الملكي او بالدين الاسلامي او بالاحترام الواجب للملك.
غير ان مفهوم “الرأي” الوارد في الفصل 64 لا يشمل لغويا ومنطقيا كل ما قد يصدر عن البرلماني من اقوال (سب، قذف…)، بل يفترض ان يكون الامر متعلقا بموقف او تقييم او تقدير ذاتي تجاه واقعة قائمة او نص تشريعي او سياسة عمومية او سلوك حكومي او ادارى.
فالرأي فعل ذهني تصدر بموجبه الذات حكم بالقبول او الرفض او النقد او التأييد، بينما “الواقعة” هي حدث خارجي مستقل عن وعي البرلماني وإرادته، يمكن من حيث المبدأ ان يرصده اي شخص وان يخضع لوسائل الاثبات المتعارف عليها.
وبناء على هذا التمييز، فإن البرلماني عندما يعبر عن رأيه في واقعة ثابتة، فهو يمارس حرية الرأي التي يحميها الفصل 64. اما عندما ينتقل من التعاطي مع الواقعة كما هي في العالم الخارجي الى اختلاق “وقائع” لا وجود لها في الواقع ونسبتها الى اشخاص او مؤسسات، فإن فعله لا يبقى محصورا في مجال ابداء الرأي، بل يصبح فعلا اخباريا كاذبا.
كما ان الحصانة البرلمانية، باعتبارها استثناء من القواعد العامة للمسؤولية الجنائية والمدنية، يتعين تفسيرها تفسيرا ضيقا وعدم التوسع في تأويلها بما يحولها الى غطاء للكذب المتعمد والاضرار بسمعة الافراد والجماعات.
ومن ثم، فإن ادخال اختلاق الوقائع الكاذبة في نطاق “الرأي” المحمي بمقتضى الفصل 64 يعد تأويلا موسعا غير متوافق مع طبيعة الاستثناء ولا مع الغاية من الحصانة، التي وضعت لحماية حرية النقاش والرقابة التشريعية.




