وجهت فرق المعارضة بمجلس النواب انتقاداتها الحادة نحو الحكومة خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال، متهمة إياها بـ”تغليف إخفاقاتها” في إصلاح التعليم بخطاب دعائي قائم على الأرقام دون المضمون، وأنها اختارت الطريق الأسهل، بتسويق إنجازات شكلية، بينما الواقع يكشف فوارق صارخة بين المناطق والطبقات الاجتماعية، وتراجعا مقلقا في الثقة بالمدرسة العمومية أدى إلى خروج شباب زيد إلى الاحتجاج في الشارع.
وخلال النقاش، الذي شهدته اللجنة اليوم الثلاثاء تصاعدت حدة الانتقادات ضد مشروع “مدارس الريادة”، الذي وصفته المعارضة بأنه “تجربة غير مدروسة علمياً” تختزل إصلاحا مركباً في مبادرات تجريبية تفتقد إلى الرؤية البيداغوجية والتقييم الموضوعي مشددة على أن “النجاح لا يُقاس بالمؤشرات المعلنة بل بمدى تأثير المشاريع على جودة التعلم وتكافؤ الفرص”.
وتجاوز الأمر الانتقاد إلى المطالبة بضرورة إخضاع المشروع لتدقيق برلماني شامل حيث لوح حزب العدالة والتنمية بالعمل على تشكيل مهمة استطلاعية، داعيا الحكومة إلى عدم التهرب من هذا المطلب كما فعلت، حسب الحزب، في ملف الدعم الموجهة لمستوردي المواشي، المعروف إعلاميا بـ”دعم الفراقشية”، معتبرا أن البرلمان لا يمكن أن يظل متفرجا على مشاريع تنفذ بأموال عمومية دون محاسبة أو تقييم.
وفي هذا السياق، وجهت البرلمانية عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، خدوج السلاسي، هي الأخرى انتقادات حادة للحكومة، مؤكدة أن المدرسة العمومية لا تزال تفتقد لأبسط شروط الإنصاف والجودة، وأن الإصلاحات المعلنة لم تقدم بعد إشارات سياسية أو تربوية تطمئن الأسر المغربية التي فقدت الثقة في المنظومة التعليمية.
وقالت السلاسي بنبرة غاضبة إن السؤال الجوهري اليوم هو “هل نحن أمام تجريب موسع لتجربة غير مقيمة علميا؟ أم أن الوزارة شرعت فعلا في تعميم نموذج لم يُختبر بعد من حيث الكلفة والمنهجية والمردودية؟”.
وأضافت أن الإصلاح لا يمكن أن ينجح ما لم يُبنَ على تقييم علمي دقيق، مشيرة إلى أن التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين لا تشاطر الحكومة تفاؤلها، بل تكشف استمرار الفجوة بين التعليمين العمومي والخصوصي واتساعها بشكل مقلق.
وشددت السلاسي على أن الجودة التعليمية ليست مسألة بنايات وتجهيزات فقط، بل تتعلق في جوهرها بالثقافة والحرية والسعادة المدرسية، مؤكدة أن “المدرسة لا يمكن أن تكون رائدة ما لم تحتضن تلاميذها بكرامة وتحفز مدرسيها بعدل”، كما دعت إلى فتح نقاش مؤسساتي صادق وعميق حول فلسفة الإصلاح التربوي بدل الاكتفاء بالشعارات التي تُطلق في كل ولاية حكومية دون أثر ملموس.
في الاتجاه نفسه، انتقد النائب حسن أومريبط عن فريق التقدم والاشتراكية ما وصفه بـ”الارتباك العميق” الذي يطبع تنزيل مشروع مدارس الريادة، مشيراً إلى أن الوزارة أطلقت تكوينات تربوية في شهر يوليوز بعد توقيع محاضر الخروج، ما جعلها غير فعالة وغير منسجمة مع الجدولة الزمنية للموسم الدراسي.
وأضاف أومريبط أن المشروع يفتقد إلى العدالة المجالية، حيث تتوفر بعض المدارس المصنفة “رائدة” على أقسام مشتركة أو مؤسسات دون مديرين، في تناقض صارخ مع منطق الريادة ذاته.
وأوضح أومريبط أن الوزارة تحاسب المديرين الإقليميين على نتائج مشروع لم توفر له الحد الأدنى من شروط النجاح، سواء من حيث الموارد البشرية أو الدعم المالي أو التأطير البيداغوجي، مشيرا إلى أن “التحفيزات الممنوحة لبعض الأطر التعليمية تتم في غياب الشفافية، مما يخلق شعوراً بالغبن ويفقد الثقة داخل المنظومة”.
ودعا البرلماني إلى إنصاف حقيقي لرجال ونساء التعليم، لا سيما في ما يتعلق بالترقية خارج السلم وتحفيز العاملين في المناطق القروية الصعبة، مذكّرا بأن “الخطابات الرسمية مهما كانت بليغة لا يمكن أن تعوض قرارات ميدانية مسؤولة وشجاعة”.
أما النائب عبد الصمد حيكر عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، فقد وجه بدوره اتهامات مباشرة للحكومة، واصفا خطابها حول “مدارس الريادة” بأنه دعائي ومضلل، يختزل إصلاح التعليم في مشروع تسويقي لا يستند إلى تقييم علمي أو بيداغوجي واضح.
وقال إن الحكومة تعتمد “معطيات مفبركة لتلميع الصورة”، متسائلا في السياق ذاته “من هو مكتب الاستشارة الدولي الذي صاغ هذا النموذج؟ وبأي معايير تم اختياره؟ وهل جرى فعلا تقييم الأثر التعليمي والتربوي لهذه المدارس على المتعلمين؟”.
وانتقد حيكر ما اعتبره “استعمالاً غير أخلاقي للتلاميذ كأرقام في مؤشرات إحصائية”، عبر إجبارهم على اجتياز الامتحانات رغم الغياب المتكرر، فقط من أجل رفع نسب النجاح الظاهرية، متهما الوزارة بغياب الشفافية في تقييم المشروع وبوجود تضارب مصالح واضح ما دام الإشراف عليه يتم داخل ديوان الوزير نفسه.
وقال النائب عن “البيجيدي” إن حكومته مطالبة بتقديم الأجوبة بدل الاكتفاء بالشعارات، لأن “المدرسة المغربية ليست مختبراً لتجريب النظريات، بل مؤسسة وطنية لتكافؤ الفرص وصناعة الأمل”.
وفي ختام الاجتماع، أعلنت المعارضة أنها ستتقدم رسميا بطلب تشكيل مهمة استطلاعية برلمانية حول مشروع “مدارس الريادة”، مؤكدة أن هذه الخطوة ليست مواجهة سياسية بل دفاع عن مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وحذّر نواب المعارضة الحكومة من محاولة الالتفاف على هذا الطلب كما حدث في ملفات سابقة، مشيرين إلى أن البرلمان لا يمكن أن يستمر في لعب دور “المتفرج” بينما تتخذ قرارات مصيرية تمس مستقبل أجيال كاملة.
وفي خلفية هذا الجدل البرلماني، يبدو أن مشروع “مدارس الريادة” الذي روّجت له الحكومة باعتباره رهانا استراتيجيا لتجويد التعلمات، يتحول شيئاً فشيئاً إلى موضوع خلاف سياسي وتربوي عميق فالمعارضة ترى فيه نموذجا لتسيير مرتجل ومحاولة لتسويق نجاحات افتراضية، بينما تعتبره الحكومة ورقة لإقناع الرأي العام بجدية إصلاحها.



